ولما كانت العناية في هذه السورة بالنشر - الذي هو من لوازم الجمع في مادة " قرا " كما مضى بيانه أول الحجر - أكثر، قدم القرآن، يدل على ذلك انتشاراً أمر موسى عليه الصلاة والسلام في أكثر قصته بتفريقه من أمه، وخروجه من وطنه إلى مدين، وروجوعه مما صار إليه إلى ما كان فيه، والتماسه لأهله الهدى والصلى واضطراب العصى وبث الخوف منها، وآية اليد وجيمع الآيات التسع، واختيار التعبير بالقوم الذي أصل معناه القيام، وإبصار ايات، وانتشار الهدهد، وإخراج الخبأ الذي منه تعليم منطق الطير، وتلكيم الدابة للناس، وانتشار المرأة وقومها وعرشها بعد تردد الرسل بينها وبين سليمان الصلاة والسلام، وكشف الساق، وافتراق ثمود إلى فريقين، مع الاختصام المشتت، وانتثام قوم لوط عليه السلام إلى ما لا يحل، وتفريق الرياح نشراً، وتقسيم الرزق بين السماء والأرض، ومرور الجبال، ونشر الريح لنفخ الصور الناشىء عنه فزع الخلائق المبعثر للقبور، إلى غير ذلك مما إذا تدبرت السورة انفتح لك بابه، وانكشف عنه حجابه، وهذا بخلاف ما في الحجر على ما مضى.
وقال الإمام ابو جعفر بن الزبير : لما أوضح في سورة الشعراء عظيم رحمته بالكتاب، وبيان ما تضمنه مما فضح به الأعداء، ورحم به الولياء، وبراءته من أن تتسور الشياطين عليه، وباهر ىياته الداعية من اهتدى بها إليه، فتميز بعظيم ياته كونه فرقاناً قاطعاً، ونوراً ساطعاً، أتبع سبحانه ذلك مدحة وثناء، وذكر من شملته رحمته به تخصيصاً واعتناء، فقال ﴿تلك آيات القرآن﴾ أى الحاصل عنها مجموع تلك الأنوار آيات
٤٠٦