ولما كان تعلق " إذ " باذكر من ا لوضوح في حد لا يخفى على أحد، قال دالاً على حكمته وعلمه :﴿إذ﴾ طاوياً لمتعلقه لوضوح أمره فصار كأنه ﴿قال﴾ : اذكر حكمته وعلمه حين قال :﴿موسى لأهله﴾ أي زوجة وهو راجع من مدين إلى مصر، قيل : ولم يكن معه غيرها :﴿إني آنست﴾ أي ابصرت إبصاراً حصل لي الأنس، وأزال عني الوحسة والنوس ﴿ناراً﴾ فعلم بما في هذه القصة من الأفعال المحكمة المنبئة عن تمام العلم اتصافه بالوصفين علماً مشاهداً، وقدم ما الحكمة فيه أظهر لاقتضاء الحال التأمين من نقص ما يؤمر به من الأفعال.
٤٠٩
ولما كان كأنه قيل : فماذا تصنع ؟ قال آتياً بضمير المذكر المجموع للتعبير عن الزوجة المذكورة بلفظ " الأهل " الصالح للمذكر والجمع صيانة لها وستراً.
جازماً بالوعد للتعبير بالخير الشامل للهدى وغيره، فكان تعلق الرجاء به أقوى من تعلقه بخصوص كونه هدى، ولأن مقصود السورة يرجع إلى العلم، فكان الأليق به الجزم، ولذا عبر بالشهاب الهادي لأولي الألباب :﴿سآتيكم﴾ أى بوعد صادق وإن ابطات ﴿منها بخبر﴾ أي ولعل بعضه يكون مما نهتدي به في هذا الظلام إلى الطريق، وكان قد ضلها ﴿أو أتيكم بشهاب﴾ أي شعلة من نار ساطعة ﴿قبس﴾ أي عود جاف مأخوذ من معظم النار فهو بحيث قد استحكمت فيه النار فلا ينطفىء ؛ وقال البغوي : وقال بعضهم : الشهاب شيء ذو نور مثل العمود، والعرب تسمي كل أبيض ذي نور شهاباً، والقبس : القطعة من النار.
فقراءة الكوفيين بالتنوين على البدل أو الوصف، وقراءة غيرهم بالإضافة، لأن القبس أخص.
وعلل إتيانه بذلك إفهاماً لأنها ليله باردة بقوله :﴿لعلكم تصطلون*﴾ أي لتكونوا في حال من يرجى أن يستدفىء بذلك أي يجد به الدفء لوصوله معي فيه النار، وآذن بقرب وصوله فقال :﴿فلما جاءها﴾ أي تلك التي ظنها ناراً.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤٠٨