والتبرك بآثار الهادي، في الانتهاء والمبادىء، ووقفت بمسجد فيه قرب سدرة تسمى الصادرة مشهور عندهم أن النبي ﷺ صلى به، وهذه السدرة مذكورة في غزوة الطائف من السيرة الهشامية واقتصر في تسمية الوادي على نخب، وأنشدت فيه يوم وقوفي ببابه، وتضرعي في أعتابه :
٤١٥
مررت بوادي النمل يا صاح بكرة فصحت وأجريت الدموع على خدي وتممت منه موقف الهاشمي الذي ملأ الأرض توحيداً يزيد على العد وكم موقف افرشه حر جبهتي وأبديت في أرجائه ذلة العبد
- في قصيدة طويلة.
ولما كانوا في أمر يهول منظره، ويوهي القوى مخالطته ومخبره، فكان التقدير : فتبدت طلائعهم، وتراءت راياتهم ولوامعهم، وأحمالهم ووضائعهم، نظم به قوله :﴿قالت نملة﴾ أي من النمل الذي بذلك الوادي :﴿يا أيها النمل﴾ ولما حكى عنهم سبحانه ما هو من شأن العقلاء، عبر بضمائرهم فقال :﴿ادخلوا﴾ أى قبل وصول ما أرى من الجيش ما ﴿مساكنكم﴾ ثم عللت أمرها معينة لصاحبه إذ كانت أمارته لا تخفى فقالت جواباً للأمر أو مبدلاً منه :﴿لا يحطمنكم﴾ أي يكسرنكم ويهشمنكم أى لا تبرزوا فيحطمنكم.
فهو نهي لهم عن البروز في صور نهيه وهو أبلغ من التصريح بنهيهم لأن من نهى كبيراً عن شيء كان لغيره أشد نهياً ﴿سليمان وجنوده﴾ أي فإنهم لكثرتهم بنهيهم لأن صاروا في الوادي استعلوا عليه فطبقوه فلم يدعوا منه موضع شبر خالياً ﴿وهم﴾ أي سليمان عليه السلام وجنوده ﴿لا يشعرون*﴾ أى بحطمهم لكم لاشتغالهم بما هم فيه من أحوال السير، وتعاطي مصالحة، مع صغر أجسامكم، وخفائكم على السائر في حال اضطرابكم ومقامكم، وقولها هذا يدل على علمها بأنهم لو شعروا بهم ما آذوهم لأنهم أتباع نبي فهم رحماء.