ثانيها أن يشهد سيده شهود محبة غالبة، فهو هذا الاستغراق فيه، يستحلي منه الشدة، وقد قال بعض عشاق حسن الصورة لا صورة الحسن فأحسن :
من لم يذق الحبيب كظلمه حلواً فقد جهل المحبة وادعى.
ثالثها : أن يشهد شهود تفريد التوية ويفني الرسم ويذهب الغيرية، فإذا وردت عليه النعمة أو الشدة كان مستغرقاً في الفناء فلم يحس بشيء منهما.
ولما علم من هذا كله أن الشاكر هو المستغرق في الثناء على المنعم بما يجب عليه من العمل من فناء أو غيره بحسب ما يقدر عليه، وكان ذلك عمل مما يجوز أن يكون زين لذلك العبد كونه حسناً وهو ليس كذلك، قال ﷺ مشيراً إلى هذا المعنى :﴿وأن أعمل صالحاً﴾ أي في نفس الأمر.
ولما كان العمل الصالح قد لا يرضي المنعم لنقص في العمل كما قيل في معنى ذلك :
إذا كان المحب قليل حظ فما حسناته إلا ذنوب
قال :﴿ترضاه﴾.
ولما كان العمل الصالح المرضي قد لا يعلي إلى درحة المرضي عنهم، لكون العامل منظوراً إليه بعين السخط، لكونه ممن سبق عليه الكتاب بالشقاء، لأن الملك المنعم تام الملك العظيم الملك فهو بحيث لا يسأل عما يفعل، قال معرضاً عن عمله معترفاً بعجزه، معلماً بأن ا لمنعم غني عن العمل وعن غيره، لا تضره معصية ولا ينفعه طاعة :﴿وأدخلني برحمتك﴾ أي لا بعملي ﴿ي عبادك الصالحين*﴾ أي لما أردتهم له من تمام النعمة بالقرب والنظر إليهم بعين العفو والرحمة والرضا.
٤١٨
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤١٣