ولما أبهمه تشويقاُ، وأخذ بمجامع القلب إلى تعرفه، ثنى بمدح الخبر مجلياً بعض إبهامه، هزاً للنفس إلى طلب إتمامه، فقال :﴿وجئتك﴾ أي الآن ﴿من سبأ﴾ قيل : إنه اسم رجل صار علماً لقبيلة، وقيل : أرض في بلاد اليمن، وحكمة تسكين قنبل له بنية الوقف الإشارة إلى تحقير أمرهم بالنسبة إلى نبي الله سليمان عليه السلام بأنهم ليست لهم معه حركة أصلاً على ما هم فيه من الفخامة والعز والبأس الشديد ﴿بنبأ﴾ أي خبر عظيم ﴿يقين*﴾ وهو من أبدع الكلام موازنة في اللفظ ومجانسة في الخط مع ما له من الانطباع والرونق، فكأنه قيل : ما هو ؟ فقال :﴿إني وجدت امرأة﴾ وهي بلقيس بنت شراحيل ﴿تملكهم﴾ أي أهل سبأ.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤١٩
ولما كانت قد أوتيت من كل ما يحتاج إليه الملوك أمراً كبيراً قال :﴿وأوتيت﴾ بنى الفعل للمفعول إقراراً بأنها مع ملكها مربوبة ﴿من كل شيء﴾ تهويلاً لما رأى من أمرها.
ولما كان عرشها - أي السرير الذي تجلس عليه للحكم - زائداً في العظمة، خصه بقوله :﴿ولهاعرش﴾ أي سرير تجلس عليه للحكم ﴿عظيم*﴾ أي لم ار لأحد مثله.
ولما كان في الخدمة أقرب أهل ذلك الزمان إلى الله فحصل له من النورانية ما هاله لأجله إعراضهم عن الله، قال مستأنفاً تعجيباً :﴿وجدتها وقومها﴾ أي كلهم على ضلال كبير، وذلك أنهم ﴿يسجدون للشمس﴾ مبتدئين ذلك ﴿من دون الله﴾ أي من أدنى رتبة من رتب الملك الأعظم الذي لا مثل له، وهي الرتبة الأفعال لأنها مصنوع من مصنوعاته تعالى سواء كان ذلك مع الاستقلال أو الشرك ﴿وزين لهم الشيكان أعمالهم﴾ أي هذه القبيحة حتى صاروا يظنونها حسنة.
ولما تسبب عن ذلك أنه أعماهم عن طريق الحق قال :﴿فصدهم عن السبيل﴾ أي الذي لا سبيل إلى الله غيره، وهو الذي بعث به أنبياءه ورسله عليهم الصلاة والسلام.
ولما تسبب عن ذلك ضلالهمن قال :﴿فهم﴾ أي بحيث ﴿لا يهتدون*﴾ أي لا يوجد لهم هدى، بل هم في ضلال صرف، وعمى محض.