﴿الله﴾ أى الملك الأعظم الذي لا كفوء له ؛ ولما كان هذا إشارة إلى أنه لا سمي له، أتبعه التصريح بأنه لا كفوء له فقال :﴿لا إله إلا هو﴾ ولما كان وصف عرشها بعظم ما، قال :﴿رب﴾ أي مبدع ومدبر ﴿العرش العظيم*﴾ أي الكامل في العظم الذي لا عظيم يداينه، وهو محتو على جميع الأكوان، وقد ثبت أن صاحبه أعظم منه ومن كل عظيم بآية الكرسي وبغيرها، فقطع ذلك لسان التعنت عندذكره مع مزيد اقتضاء السياق له لأنه للانفراد بالإلهية المقتضية للقهر والكبر بخلاف آية المؤمنون، وهذه آية سجدة على كل القراءتين، لأن مواضع السجود إما مدح لمن أتى بها، أو ذم لمن تركها، كقراءة التشديد، أو أمر بالسجود كقراءة التخفيف، والكل ناظر إلى العظمة.
ولما صح قوله في كون هذا خبراً عظيماً، وخطباً جسيماً، حصل التشوق إلى جوابه فقيل :﴿قال﴾ أي سليمان عليه السلام للهدهد :﴿سننظر﴾ أي نختبر ما قلته ﴿أصدقت﴾ أي فيه فنعذرك.
ولما كان الكذب بين يديه - لما أوتيه من العظمة بالنبوة والملك الذي لم يكن لأحد بعده - يدل على رسوخ القدم فيه، قال :﴿أم كنت﴾ أي كوناً هو كالجبلة ﴿من الكاذبين*﴾ أي معروفاً بالانخراط في سلكهم، فإنه لا يجترىء على الكذب عندي إلا من كان عريقاً في الكذب دون " أم كذبت " لأن هذا يصدق بمرة واحدة.
ثم شرع فيما يختبره به، فكتب له كتاباً على الفورفي غاية الوجازة قصداً للإسراع في إزالة المنكر على تقدير صدق الهدهد بحسب الاستطاعة، ودل على إسراعه في كتابته بقوله جواباً له :﴿اذهب بكتابي هذا﴾ قول من كان مهيئاً عنده ودفعه إليه.


الصفحة التالية
Icon