ثم أكدت هذا المعنى بقولها :﴿وكذلك﴾ أي ومثل هذا الفعل العظيم الشأن، الوعر المسلك البعيد السأو ﴿يفعلون*﴾ دائماً، هو خلق لهم مستمر جميعهم على هذا، فكيف بمن تطيعه الطيور، ذوات الزكور، فيما يريده من الأمر.
ولما بينت ما في المصادمة من الخطر، أتبعته ما عزمت عليه من المسالمة، فقالت :﴿وإني مرسلة﴾ وأشار سبحانه إلى عظيم ما ترسل له بالجمع في قولها :﴿إليهم﴾ أى إليه وإلى جنوده ﴿بهدية﴾ أي تقع منهم موقعاً.
قال البغوي : وهي العطية
٤٢٤
على طريق الملاطفة.
﴿
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤٢٤
فناظرة﴾
عقب ذلك وبسببه ﴿بم﴾ أي بأي شيء ﴿يرجع المرسلون*﴾ بتلك الهدية عنه من المقال أو الحال، فنعمل بعد ذلك على حسب ما نراه من أمره، فنكون قد سلمنا من خطر الإقدام على ما لم نعرف عاقبته، ولم يضرنا ما فعلنا شيئاً.
ولما كان التقدير/ فأرسلت بالهدية، وهي فيما يقال خمسمائة غلام مرد، زينتهم بزي الجواري، وأمرتهم بتأنيث الكلام، وخمسمائة جارية في زي الغلمان، وأمر لهم بتغليظ الكلام.
وجزعه معوجة الثقب، ودرة غير مثقوبة - وغير ذلك، وسألته أن يميز بين الغلمان والجواري، وأن يثقب الدرة، وأن يدخل في الجزعة خيطاً، فأمرهم بغسل الوجوه والأيدي، فكانت الجارية تأخذ الماء بإحدى يديها ثم تنقله إلى الأخرى ثم تضرب الوجه وتصب الماء على باطن ساعدها صباً، وكان الغلام كما يأخذ الماء يضرب به وجهه ويصب الماء على ظهر الساعد ويحدره على يديه حدراً، وأمر الأرضة فثقبت الدرة، والدودة فأدخلت السلك في الثقب المعوج، رتب عليه قوله مشيراً بالفاء إلى سرعة الإرسال :﴿فلما جاء﴾ أي الرسول الذي بعثته وارسلته، والمراد به الجنس ؛ قال أبو حيان : وهو يقع على الجمع والمفرد والمذكر والمؤنث.


الصفحة التالية
Icon