ثم علل ذلك إشارة إلى عظيم نعمة الله عليه بالنعمة على أسلافه بقوله :﴿إنها﴾ وقرىء بالفتح على البدل منفاعل " صد " ﴿كانت من قوم﴾ أي ذوي بطش وقيام ﴿كافرين*﴾ أي فكان ذلك سبباً - وإن كانت في غاية من وفور العقل وصفاء الذهن وقبول العلم كما دل عليه ظنها في عرشها، ما يهتدي له إلا من عنده قابلية الهدي - في اقتفائها لآثارهم في الدين، فصديت مرآة فكرها ونبت صوارم عقلها.
ولما تم ذلك، كان كأنه قيل : هل كان بعد ذلك اختبار ؟ فقيل : نعم! ﴿قيل لها﴾ أي من قائل من جنود سليمان عليه السلام، فلم تمكنها المخالفة لما هناك من الهيبة بالملك والنبوة والدين :﴿ادخلي الصرح﴾ وهو قصر بناه قبل قدومها، وجلس في صدره، وجعل صحنه من الزجاج الأبيض الصافي، وأجرى تحته الماء، وجعل فيه دواب البحر، وأصله -كما قال في الجمع بين العباب والمحكم : بيت واحد يبني منفرداً ضخماًطويلاً في السماء، قال : وقيل : كل بناء متسع مرتفع، وقيل : هو القصر، وقيل : كل بناء عال مرتفع، والصرح : الألاض المملسة، وصرحة الدار ساحتها.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤٢٧
ودل على مبادرتها لامتثال الأمر وسرعة دخولها بالفاء فقال :﴿فلما رأته﴾ وعبر بما هو من الحسبان دلالة على أن عقلها وأن كان في غاية الرجاحة ناقص لعبادتها لغير الله فقال :﴿حسبته﴾ أي لشدة صفاء الزجاج واتصال الماء بسطحه الأسفل ﴿لجة﴾ أي غمرة عظيمة من ماء، فعزمت على خوضها إظهاراً لتمام الاستسلام ﴿وكشفت عن ساقيها﴾
٤٢٩
أي لئلا تبتل ثيابها فتحتاج إلى تغييرها قبل الوصول إلى سليمان عليه السلام، فرآها أحسن الناس ساقاً وقدماً غير أنها شعراء.


الصفحة التالية
Icon