ولما دلهم بآيات الآفاق، وكانت كلها من أحوال السراء، وكانت بمعرض الغفلة عن الإله، ذكرهم بما في أنفسهم مما يوجبه تغير الأحوال الدالة بمجردها على الإله، ويقتضي لكل عاقل صدق التوجه إليه، وإخلاص النية لديه، والإقبال عليه، على ذلك ركزت الطباع، وانعقد الإجماع، فلم يقع فيه نزاع، فقال :﴿أمن يجيب المضطر﴾ أي جنس الملجأ إلى ما لا قبل له به، الصادق على القليل والكثير إذا أراد إجابته كما تشاهدون، وعبر فيه وفيما بعده بالمضارع لأنه مما يتجدد، بخلاف ما مضى من خلق السماوات وما بعده ﴿إذا دعاه﴾ أي حين ينسيكم الضر شركاءكم، ويلجئكم غلىمن خلقكم ويذهل المعطل عن مذهبه ويغفله عن سوء أدبه عظيمُ إقباله على قضاء أربه.
ولما كانت الإجابة ذات شقين، جلب السرور، ودفع الشرور، وكان النظر إلى الثاني أشد، خصه بادئاً به فقال :﴿ويكشف السوء﴾ ثم أتبعه الأول على وجه أعم، فقال مشيراً إلى عظيم المنة عليهم بدعلهم مسلطين علين على جميع من في الأرض وما في الأرض مشرفين بخلافته سبحانه، وذلك أقبل عليهم، ﴿ويجعلكم خلفاء الأرض﴾ أى فيما يخلف بعضكم بعضاً، لا يزلا يجدد ذلك بإهلاك قرن وإنشاء آخر إلىقيلم الساعة.
ولما كان هذا أبين، كرر الإنكار فيه مبكتاً لهم بالنسيان فقال :﴿أإله﴾ أي كائن أو موجود ﴿مع الله﴾ أي الملك الأعظم الذي لا كفوء له.
ثم استأنف التبكيت تفظيعاً له
٤٣٩
ومواجهاً به في قراءة الجاعة لما يؤذن به كشف هذه الأزمات من القرب المقتضي للخطاب، ولذلك أكد بزيادة " ما " فقال :﴿قليلا ما تذكرون*﴾ أى بأن من أنجاكم من ذلك وحده حين أخلصتم له التوجه عند اشتداد الكربات، في الأمور المهمات، فإن هذا قياس ظاهر، ودليل باهر، ولكن من طبع الإنسان نسيان ما كان فيه من الضير، عند مجيء الخير، ومن قرأ بالتحتانية وهم أبو عمرو وهشام وروح، فللإيذان بالغضب الأليق بالكفران، مع عظيم الإحسان.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤٣٦


الصفحة التالية
Icon