بمعنى : إن كانت البعافير أنيساَ ففيها أنيس، بتا للقول بخلوها من الأنيس، فيكون معنى الآية : إن كان الله جل وعلا ممن في السماوات والأرض ففيهم من يعلم الغيب، يعني إن علم أحدهم الغيب في استحالته كاستحالة أن يكون الله منهم، ويصح كونه متصلاً، والظرفية في حقه سبحانه مجاز بالنسبة إلى علمه وإن كان فيه جمع بين الحقيقة والمجاز، وعلى هذا فيرتفع على البدل أو الصفة، والرفع افصح من النصب، لأنه من منفي، وقد عرف بهذا سر كونه لم يقل " لا يعلم أحد الغب إلا هو " وهوالتنبيه على المظروفية والحاجة، وأن الظرف حجاب، لا يرتاب فيه مرتاب، وجعل ابن مالك متعلق الظرف خاصاً تقديره : يذكر، وجعل غيره " من " مفعولاً والغيب بدل اشتمال، والاستثناء مفرغاً، فالتقدير : لا يعلم غيب المذكورين - أى ما غاب عنهم - كلهم غيره.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤٤٤
ولما كان الخبر - الذي لم يطلع عليه أحد من الناس - قد يخبر به الكهان، أو أحد
٤٤٤
من الجان، ن أجواف الأوثان، وكانوا يسمون هذا غبياً وإن كان في الحقيقة ليس به لسماعهم له من السماء بعد ما أبرزه الله إلى عالم الشهادة للملائكة ومن يريد من عباده، وكانوا ربما تعنتوا به عن العبارة، وكانت الساعة قد ثبت امرها، وشاع في القرآن وعلى لسان الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وأصحابهم رضي الله تعالى عنهم ذكرها، بحيث صارت بمنزلة ما لا نزاع فيه، وكان علم وقتها من الغيب المحض، قال :﴿وما يشعرون﴾ أى أحد ممن في السماوات والأرض وإن اجتمعوا وتعاونوا ﴿أيان﴾ أي أيّ وقت ﴿يبعثون*﴾ فمن أعلم بشيء من ذلك على الحقيقة بأن صدقه، ومن تخرص ظهر كذبه.


الصفحة التالية
Icon