ولما شبههم بالصم في كونهم لا يسمعون إلا مع الإقبال، مثلهم بالعمى في أنهم لا يهتدون في غير عوج اصلاً إلا براع لا تشغله عنهم فترة ولا ملال، فقال :﴿وما أنت بهادي﴾ أي بموجد الهداية على الدوام في قلوب ﴿العمي﴾ أي في أبصارهم وبصائهم مزيلاً لهم وناقلاً ومبعداً ﴿عن ضلالتهم﴾ عن الطريق بحيث تحفظهم عن أن يزالوا عنها أصلاً، فإن هذا لا يقدر عليه إلا الحي القيوم، والسياق كما ترى يشعر بتنزيل كفرهم في ثلاث رتب : عليا ككفر أبي جهل، ووسطى كعتبة بن ربيعة، ودنيا كأبي طالب وبعض المنافقين، وسيأتي في سورة الروم لهذا مزيد بيان.
ولماكان ربما أوقف عن دعائهم، رجاه في انقيادهم وارعوائهم بقوله :﴿إن﴾ أي ما ﴿تسمع﴾ أي سماع انتفاع على وجه الكمال، في كل حال ﴿إلا من يؤمن﴾ أي
٤٥٠
من علمناه أنه يصدق ﴿بآيتنا﴾ بأن جعلنا فيه قابلية السمع.
ثم سبب عنه قوله دليلاً على إيمانه :﴿فهم مسلمون*﴾ أي في غاية الطواعية لك في المنشط والمكره، لا خيرة لهم ولا إرادة في شيء من الأشياء.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤٤٩
ولما فرغ من عظيم زجرهم بتسليته ﷺ في أمرهم وختم بالإسلام، عطف عليه ذكر مما يوعدون مما تقدم استعجالهم له استهزاء به، وبدأ منه بالدابة التي تميز المسلم من غيره، فقال محققاً بأداة التحقيق :﴿وإذا وقع القول﴾ أي حان حين وقوع الوعيد الذي هومعنى القول، وكأنه لعطمة لا قول غيره ﴿عليهم﴾ بعضه بالإتيان حقيقة وبعضه بالقرب جداً ﴿أخرجنا﴾ أي بما لنا من العظمة ﴿لهم﴾ من أشراط الساعة ﴿دآبة﴾ وأيّ دابة في هولها وعظمها خلقاً وخلقاً ﴿من الأرض﴾ أى أرض مكة التي هي أم الأرض، لأنه لم يبق بعد إرسال أكمل الخلق بأعلى الكتب إلا كشف الغطاء.