جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤٥١
ولما ذكر هذا الحشر الخاص، والديل على مطلق الحشر والنشر، ذكر الحشر العام، لئلا يظن أنه إنما يحشر الكافر، فقال مشيراً إلى عمومهم بالموت كما عمهم بالنوم، وعمومهم بالإحياء كما عمهم بالإيقاظ :﴿ويوم ينفخ﴾ أي بأيسر أمر ﴿في الصور﴾ أي القرن الذي جعل صوته لإماتة الكل.
ولما كان ما ينشأ عنه من فزعهم مع كونه محققاً مقطوعاً به كأنه وجد ومضى، يكون في آم واحد، أشار إلى ذلك وسرعة كونه بالتعبير بالماضي فقال :﴿ففزع﴾ أي صعق بسسب هذا النفخ ﴿من في السموات﴾.
ولما كان الأمر مهولاً، كان الإطناب أولى، فقال :﴿ومن في الأرض﴾ أى كلهم ﴿إلا من شاء الله﴾ أى المحيط علماً وقدرة وعزة وعظمة، أن لا يفزع ؛ ثم أشار إلى النفخ لإحياء الكل بقوله :﴿وكل﴾ أي من فزع ومن لم يفزع ﴿أتوه﴾ أي بعد ذلك للحساب بنفخة أخرى يقيمهم بها، دليلاً على تمام القدرة في كونه أقامهم بما به أنامهم
٤٥٤
﴿داخرين*﴾ أي صاغرين منكسرين ؛ واستغنى عن التصريح به بما يعلم بالبديهة منأنه لا يمكن إتيانهم في حال فزعهم الذي هو كناية عن بطلان إحساسهم، هذا معنى ما قاله كثير من المفسرين والذي يناسب سياق الآيات الماضية - من كون الكلام في يوم القيامة الذي هو ظرف لما بين البعث ودخول الفريقين إلى داريهما - أن يكون هذا النفخ بعد البعث وبمجرد صعق هو كالغشي كما أن حشر الأفواج كذلك، ويؤيده التعبير بالفزع، ويكون الإتيان بعده بنفخة أخرى تكون بها الإقامة، فهاتان النفختان حينئذ هما المراد من قوله ﷺ :"يصعق الناس يوم القيامة" - الحديث، وسيأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى لفظاً ومعنى، ويحل ما فيه من إشكال في آخر سورة الزمر.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤٥٤