المأمور بإبلاغ هذه الجوامع، الداعي لمن سمعه، الهادي لم اتبعه، بأنه لا يرضى له ما رضي لنفسه، وهو ما أمره به ربه، فقال :﴿إنما أمرت﴾ أي بأمر من لا يرد له أمر، ولا يعد أن يكون بدلاً من قوله ﴿الحمد لله وسلام على عباده الذين اصصفى﴾ فيكون محله نصباً بقل، وعظم المأمور به بإجلاله محل العمدة فقال :﴿أن أعبد﴾ أي بجميع ما أمركم به ﴿رب﴾ أي موجب ومدبر وملك ؛ وعين المراد وشخصه وقربة تشريفاً وتكريماً بقوله :﴿هذه البلدة﴾ أي مكة التي تخرج الدابة منها فيفزع كل من يراها، ثم تؤمن أهل السعادة، أخصه بذلك لا أعبد شيئاً مما عدلتموه به سبحانه وادعيتم أنهمشركاء، وهم من جملة ما خلق ؛ ثم وصف المعبود الذي أمر بعبادة أحد غيره بما يقتضيه وصف الربوبية، وتعين البلدة التي أشار إليها بأداة القرب لحضورها في الأذهان لعظمتها وشدة الإلف بها وإرادتها بالأرض التي تخرج الدابة منها، فصارت لذلك بحيث إذا أطلقت البلدة انصرفت إليها وعرف أنها مكة، فقال :﴿الذي حرمها﴾ تذكيراً لهم بنعمته سبحانه عليهم وتربيته لهم بأن أسكنهم خير بلاده، وجعلهم بذلك مهابة في قلوب عباده، بما ألقى في القلوب من أنها حرم، لا يسفك بها دم، ولا يظلم أحد، ولا يباح بها صيد، ولا يعض شجرها، وخصها بذلك من بين سائر بلاده والناس يتخطفون من حولهم وهم آمنون لا ينالهم شيء من فزعهم وهولهم.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤٥٤
ولما كانت إضافتها إليه إنما هي لمحض التشريف، قال احتراساً عما لعله يتوهم :﴿وله كل شيء﴾ أي من غيرها مما أشركتموه به وغيره خلقاً وملكاً وللكاً، وليس هو كالملوك الذين ليس لهم إلا ما حموه على غيرهم.