وإزالة للبس :﴿ياموسى﴾ أكد إشارة إلى أن الأمر قد دهم فلا يسع الوقت الاستفصال فقال :﴿إن الملأ﴾ أي أشراف القبط في أيديهم الحل والعقد، لأن لهم القدرة على الأمر والنهي ﴿يأتمرون بك﴾ أي يتشاورن بسببك، حتى وصل حالهم في تشاورهم إلى أن كلاًّ منهم يأمر الآخر ويأنمر بأمره، فكأنه قيل : لم يفعلون ذلك ؟ فقيل :﴿ليقتلوك﴾ لأنهم سمعوا أنك قتلت صاحبهم ﴿فاخرج﴾ أي من هذه المدينة ؛ ثم علل ذلك بقوله على سبيل التأكيد ليزيل ما يطرق من احتمال عدم القتل لكونه عزيزاً عند الملك :﴿إني لك﴾ أي خاصة ﴿من الناصحين*﴾ أي العريقين في نصحك ﴿فخرج﴾ أى موسى عليه الصلاة والسلام مبادراً ﴿منها﴾ أي المدية لما علم من صدق قوله مما حفّه من القرائن، حال كونه ﴿خائفاً﴾ على نفسه من آل فرعون ﴿يترقب﴾ أى يكثر الالتفات بإدراة رقبته في الجهات ينظر هلى يتبعه أحد ؛ ثم وصل به على طريق الاستئناف قوله :﴿قال﴾ أي موسى عليه الصلاة والسلام :﴿رب﴾ أي ايها المحسن إليّ بالإيجاد والتربية وغير ذلك من وجوه البر ﴿نجني﴾ أي خلصني، مشتق من النجوة، وهو المكان العالي الذي لا يصل إليه كل أحد ﴿من القوم الظالمين*﴾ أى الذين يضعون الأمور في غير مواضعاها فيقتلون من لا يستحق القتل مع قوتهم، فاستجاب الله له فوفقه لسلوك الطريق الأعظم نحو مدين، فكان ذلك سبب نجاته، وذلك أن الذين انتدبوا إليه قطعوا بأنه لا يسلك الطريق الأكبر، جرياً على عادة الخائفين الهاربين في المشي عسافاً، أو سلوك ثنيات الطريق فانثنوا فيما ظنوه يميناً وشمالاً ففاتهم.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤٧٤


الصفحة التالية
Icon