ولما كان هذا حالاً موجباً للسؤال عنه، كان كأنه قيل : فما قال لهما ؟ قيل :﴿قال﴾ أى موسى عليه الصلاة والسلام رحةم لهما :﴿ما خطبكما﴾ أي خبركما ومخطوبكما أي مطلوبكما، وهوكالتعبير بالشأن عن المشؤون الذي يستحق أن يقع فيه التخاطب لعظمه، في ذيادكما لأغنامكما عن السقي ؛ قال أبو حيان : والسؤال بالخطب إنما يكون في مصاب أو مضطهد.
ولما كان من المعلوم أن سؤاله عن العلة ﴿قالتا﴾ أي اعتذاراً عن حالهما ذلك ؛ وتلويحاً باحتياجهما إلى المساعدة :﴿لا﴾ أي خبرنا أنا لا ﴿نسقي﴾ أي مواشينا، وحذفه للعلم به ﴿حتى يصدر﴾ أى نصرف ويرجع ﴿الرعاء﴾ أي عن الماء لئلا يخالطهم - هذا على قراءة ابي عمرو وابن عامر بفتح الياء وضم الدال ثلاثياً، والمعنى على قراءة الباقين بالضم والكسرك يوجدوا الدر والصرف.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤٧٤
ولما كان التقدير : لأنا من النساء، وكان المقام يقتضي لصغر سنهما أن لهما أباً، وأن لا إخوة لهما وإلا لكفوهما ذلك، عطفتا على هذا المقدر قولهما :﴿وأبونا شيخ كبير*﴾ أي لا يستطيع لكبره أن يسقي، فاضطررنا إلى ما ترىن وهذا اعتذار أيضاً عن كون ابيهم أرسلهما لذلك لأنه ليس بمحظور، فلا يأباه الدين، والناس مختلفون في ذلك بحسب المروءة، وعاداتهم فيها متباينة وأحوال العرب والبدو تباين أحوال العجم والحضر، لا سيما إذذا دعت إلى ذلك ضرورة ﴿فسقى﴾ أي موسى عليه الصلاة والسلام ﴿لهما﴾ لما علم ضرورتهما، انتهازاً لفرصة الأجر وكرم الخلق في مسااعدة الضعيف، مع ما به من النصب والجوع ﴿ثم تولى﴾ أي انصرف موسى عليه الصلاة والسلام جاعلاً طهره يلي وجهه ﴿إلى الظل﴾ أي ليقيل تحته ويستريح، مقبلاً على الخالق بعد ما قضى من نصيحته الخلائق، وعرفه لوقوع العم بأن بقعة لا تكاد تخلو من شيء له ظل ولا سيما أماكن المياه ﴿فقال﴾ لأنه ليس في الشكوى إلى المولى العلي الغني المطلق نقص ﴿رب﴾.
٤٧٦


الصفحة التالية
Icon