ولما كان له عليه من العطف والشفقة ما يقصر الوصف عنه، نبه على ذلك بإجابة السؤال بقوله :﴿يصدقني﴾ أي بأن يلخص بفصاحته ما قتله وبينته، ويقيم الأدلة عليه حتى يصير كالشمس وضوحاً، فيكون - مع تصديقه لي بنفسه - سبباً في تصديق غيره لي ؛ ورفعه عاصم وحمزة صفة لردءاً.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤٨٤
ثم علل سؤاله هذا، وبين أنه هو المراد، لا أن يقول لهك صدقت، فإن قوله لهذه اللفظة لا تعلق له بالفصاحة حتى يكون سبباً للسؤال فيه، بقوله مؤكداً لأجل أن من كان رسولاً عن الله لا يظن به أن يخافك ﴿إني أخاف أن يكذبون*﴾.
ولما كان ما رأى من الأفعال، وسمع من الأقوال، مقتضياً للأمن من أن يكذبوه، وكان عالماً بما هم عليه من القساوة والكبر، أشار إلى ذلك بالتأكيد، أي وإذا كذبوني عسرت عليّ المحاججة على ما هو عادة أهل الهمم عند تمالؤ الخصوم على العناد، والإرسال موجب لكلام كثير وحجاج طويل، وقريب من هذا قول النبي ﷺ لما أمره الله تعالى بإنذار قومه "إذن يثغلوا رأسي فيجعلوه خبزة" وكأن مراد السادة القادة
٤٨٥
عليهم الصلاة والسلام والتحية والإكرام الاستعالم عن الأمر هل يجري على العادة أو لا ؟ فإن كان يجري على العادة وطنوا أنفسهم على الموت، وإلا ذكر لهم الأمر الخارق فيكون بشارة لهم، ليمضوا في الأمر على بصيرة، ويسيروا فيه على حسب ما يقتضيه من السيرة.