ولما سببت هذه الآية من العلوم، ما لا يحيط به اافهوم، قال :﴿فانظر﴾ أي أيها المتعرف للآيات الناظر فيها نظر الاعتبار ؛ وزاد في تعظيم ذلك بالتنبيه على أنه مما يحق له أن يسأل عنه فقال :﴿كيف كان﴾ أى كوناً هو الكون ﴿عاقبة﴾ أي آخر أمر ﴿الظالمين*﴾ وإن زاد ظلمهم، وأعيي أمرهم، ذهبوا في طرفة عين، كأن لم يكونوا، وغابوا عن العيون كأنهم قط لم يبينوا، وسكتوا بعد ذلك الأمر والنهي فصاروا بحيث لم يبينوا، فليحذ هؤلاء الذين ظلموا إن استمروا على ظلمهم أن ينقطعوا وييبينوا، وهذا إشارة عظيمة بأعظم بشارة بأن كل ظالم يكون عاقبته هكذا إن صابره المظلوم المحق، ورابطه حتى يحكم الله وهو خير الحالكمين.
ولما كان "من سن سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، ومن سن سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة" وكانوا أول من أصر، اطبق في ذلك الزمان على تكذيب الآيات، وإخفاء الدلالات النيرات، على
٤٩١
تواليها وكثرتها، وطول زمانها وعظمتها وكانت منابذة العقل واتباع الضلال في غاية الاستبعاد، لا سيما إن كانت ضامنة للهلاك في الدنيا والعذاب في الآخرة، قال تعالى في مظهر العظمة :﴿وجعلناهم﴾ أي في الدنيا ﴿أئمة﴾ أي متبوعين في رد ما لا يرده عاقل مثل افعالهم من در الحق والتجبر على الخق، فكأنه قد اختار الاقتداء بهم وإن لم يكن قاصداً ذلك، فأطلق ذلك عليه رفعاً له عن النسبة إلى أنه يعمل ما يلزمه الاتسام به وهو عاقل عنه كما أنه لا تقتل نفس ظلماً إلا كان على ابن آدم الأول كفل مندمها، لأنه أول من سن القتل، وأحق الناس باتباعهم في باطن اعتقادهم وظاهر اصطناعهم، وخيبة آمالهم وأطماعهم أهل الإلحاد بمذهب الاتحاد أهلك الله أنصارهم.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤٩١