ولما وعاد سبحانه بإمامة بني إسرائيل وقص القصص حتى ختم بإمامة آل فرعون في الدعاء إلى النار إعلاماً بأن ما كانوا عليه تجب مجانبته ومنابذته مباعدته، وكان من المعلوم أنه لا بد لكل مامة من دعامة، تشوفت المفس إلى أساس إمامة بني إسرائيل التي يجب العكوف في ذلك الزمان عليها، والتمسك بها، والمبادرة إليها، فأخر سبحانه عن ذلك مقسماً عليه مع الافتتاح بحرف التوقع، لأن العرب وإن كانوا مصدقين لما وقع من المنة على بني إسرائيل بإقاذهم من يد فرعون وتمكينهم بعده، وإنزال الكتاب عليهم، فحالهم بإنكار التمكين لأهل الإسلام والتكذيب بكتابهم حال المكذوب بأمر بني إسرائيل، لأنه لا فرق بين نبي ونبي، وكتاب وكتاب، وناس وناس، ولأن رب الكل واحد، فقال :﴿ولقد آتينا﴾ أي بما لنا من الجلال والجمال والمجد والكمال ﴿موسى الكتاب﴾ أي التوراة الجامعة للهدى والخير في الدارين ؛ قال ابو حيان : وهو أول كتاب أنزلت فيه الفرائض والأحكام.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤٩١
ولما كان حكم التوراة لا يستغرق الزمان الأتي، أدخل الجار فقال :﴿من بعد ما﴾ إشارة إلى أن إيتاءها إنما هو في مدة من الزمان، ثم ينسخها سبحانه بما يشاء من أمره ﴿أهلكنا﴾ أي بعظمتنا ﴿القرون الأولى﴾ أي من قوم نوح إلى قوم فرعون، ووقتها بالهلاك إشارة إلى أنه لا يعم أمة من الأمم بالهالك بعد إنزالها تشريفاً لها ولمن أنزلت عليه وأوصلت إليه ؛ ثم ذكر حالها بقوله :﴿بصائر﴾ جمع بصيرة، وهي نور القلب، مصابيح وأنوار ﴿للناس﴾ أي يبصرون بها ما يعقل من أمر معاشهم ومعادهم، وأولاهم وأخراهم، كما أن نور العين يبصر به ما يحسن من أمور الدنيا.
ولما كان المستبصر قد لا يهتدي لمانع قال :﴿وهدى﴾ أي للعامل بها إلى كل خير.
ولما كان المهتدي ربما حمل على من توصل إلى غرضه، وكان ضاراً، قال :﴿ورحمة﴾ أى نعمة هنية شريفة، لأنها قائدة إليها.


الصفحة التالية
Icon