ولما أبلغ في هذه الأساليب في إظهار الخفايا، وأكثر من نصب الأدلة على الحق وإقامة على وجوب اتباع محمد ﷺ، وكانوا بإعراضهم عن ذلك كله كأنهم منكرون لأن يكون جاءهم شيء من ذلك، قال ناسقاً على ما تقديره : فلقد آتيناك في هذه الآيات بأعظم البينات، منبهاً بحرف التوقع المقترن بأداة القسم على أنه مما ياتوقع هنا أن يقال :﴿ولقد وصلنا﴾ أي على ما لنا من العظمة التي مقتضاها أن يكفي أدنى إشارة منها ﴿لهم﴾ أى خاصةن فكان تخصيصهم بذلك منة عظيمة يجب عليهم شكرها ﴿القول﴾ أى أتبعنا بعض القول - الذي لا قول في الحقيقة سواه - بعضاً بالإنزال منجماً، قطعاً بعضها في أثر بعض، لتكون جواباً لأقولهم، وحلاًّ لإشكالهم، فيكون أقرب إلى الفهم، وأولى بالتدبر، مع تنويعه في وعد ووعيد، وأخبار ومواعظ، وحكم ونصائح، وأحكاتم ومصالح، وأكثرنا من ذلك حتى كانت آياته المعجزات وبيناته الباهرات كأنها افراس الرهبان، يوم استباق الأقران، في خومة الميدان، غير أن كلاًّ منهما سابق في العيان.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤٩٦
ولما بكتهم بالتنبيه بهذا التأكيد على مبالغتهم في الكذب بالقول أو بالفعل في أنه ما أتاهم ما يقتضي التذكير أتبع ذلك التوصيل عليه فقال :﴿لعلهم يتذكرون*﴾ أي ليكون حالهم حال الذين يرجى لهم أن يرجعوا إلى عقولهم فيجدوا فيما طبع فيها ما يذكرهم بالحق تذكيراً، بما أشار إليه الإظهار.