ولما كان من المعلوم أن نفس النبي صلة الله عليه وسلم - لما جبلت عليه من الخير والمحبة لنفع جميع العباد، لا سيما العرب، لقربهم منه ﷺ، لاسيبما أقربهم منه صلة للرحم تتأثر بسبق أهل الكتاب لقومه، وكان ربما ظن ظان أن عدم هدايتهم لتقصير في دعائه أو إرادته لذلك، وأنه لو أراد هدايتهم وأحبها، وعلق همته العلية بها لاهتدوان أجيب عن هذا بقوله تعالى في سياق التأكيد إظهاراً لصفة القدرة والكبرياء والعظمة :﴿إنك لا تهدي من أحببت﴾ أي نفسه أو هدايته بخلق الإيمان في قلبه، وإنما في يدك الهداية التي هي الإرشاد والبيان.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٥٠٠
ولما كان ربما ظن من أجل الإخبار بتوصيل القول وتعليله ونحو ذلك من أشباهه أن شيئاً من أفعالهم يخرج عن القدرة، قال نافياً لهذا الظن مشيراً إلى الغلط في اعتقاده بقوله :﴿ولكن الله﴾ المتردي برداء الجلال والكبرياء والكمال وله الأمر كله ﴿يهدي من يشاء﴾ هدايته بالتوفيق إلى ما يرضيه ﴿وهو﴾ أي وحده ﴿أعلم بالمهتدين*﴾ أي الذين هيأهم لتطلب الهدى عند خلقه لهم، فيكونوا عريقين في هسواء كانوا من أهل الكتاب أو العرب، أقارب كانوا أو أباعد، روى البخاري في التفسير عن سعيد بن المسيب عن أبيه رضي الله عنه :" قال لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله ﷺ فوجد عنده أبا جهل وعبد الله بن ابي أمية بن المغيره، فقال :"أي عم! قل : لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله"، فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية : أترغب عن ملة عبد المطلب ؟ فلم يزل رسول الله ﷺ بعرضها عليه ويعيدانه بتلك المقالة حتى قال أبو طالب آخر ما
٥٠١


الصفحة التالية
Icon