ولما اعتلوا في الوقوف عن الإيمان بخوف التخطف، فذكرهم نعمته عليهم بإقامة أسباب الأمن وإدرار الرزق، وعرفهم أنه هو وحده الذي تخشى سطواته، ويتقي أخذه لمن خالفه وبطشاته، وكان خوفهم من عواقب المتابعة إماعلى أنفسهم وإما على ما بأيديهم من المتاع، علم نم ذلك كله قطعاً أن التقدير بما سبب التخويف من عواقب الظلم بمثل مصارع الأولين : فأنفسكم في خطر من خوف الهلاك من القادر عليكم
٥٠٧
كقدرته على من قبلكم بسبب التوقف عن المتابعة أشد من خطر الخوف من التخطف بسبب ا لمتابعة، أو يكون التقدير : فما خفتم منه التخطف غير ضائركم، وكفكم عن المتابعة لأجله غير مخلدكم، إهلاككم على اله بأي وجه كان - بعزيز، عطف على هذا الذي ارشد السياق إلى تقديره قوله :﴿وما أوتيتم﴾ أي من أي مؤت كان ﴿من شيء﴾ أي من هذه الأشياء التي بأيدكم وغيرها ﴿فمتاع﴾ أي فهو متاع ﴿الحياة الدنيا﴾ وليس يعود نفعه إلى غيرها، فهو إلى نفاد وإن طال زمن التمتع به ﴿وزينتها﴾ أي وهو زينة الحياة الدنيا التي هي كلها - فضلاً عن زينتها - إلى فناء، فليست هي ولا شيء منها بأزلي ولا أبدي ﴿وما عند الله﴾ أي الملك الأعلى مما تثمره لكم المتابعة من الثواب الذي وعدكموه في الدار الآخرة التي دل عليها دلالة واضحة إطباكم على وصف هذه بالدنيا، ومن أصدق وعداً منه ﴿خير﴾ على تقدير مشاركة ما في الدنيا له في الخيرية في ظنكم، لأن الذي عنده أكثر وأطيب وأظهر، وأحسن وأشهى، وأبهج وأزهى، ﴿و﴾ هو مع ذلك كله ﴿أبقى﴾ لأنه وإن شارك متاع الدنيا في أنه بم يكن أزلياً فهو أبدي.
فلما بان أنه لا يقدم على خطر المخالفة المذكور خوفاً من خطر المتابعة الموصوف عاقل، توجه الإنكار عليهم في قوله تعالى :﴿أفلا تعقلون*﴾.