ولما كان الكائن من قوم موصوفاً بما تتصف به كل منهم، وكانت مشاركتهم بالفعل أبعد من مشاركتهم بالسكوت، قال من غير تأكيد :﴿ولاتدع مع الله﴾ أي الجامع لجميع صفات الكمال ﴿إلهاً﴾ ولما كانت النكرة في سياق النهي تعم مكما لو كانت في سياق النفي، وكان المشركون قد تعنتوا لما رأوا النيب ﷺ يدعو باسم الله واسم الرحمن كما ذكر آخر الإسارء، قال :﴿آخر﴾ أي غير الله حقيقة دون أن يغاير في الاسم دون الذات، ومضى في آخر الحجر، ويأتي إن شاء الله تعالى في الذريات ما سيتضح به هذا المعنى، والمراد بهذا كله المبالغة في الإنذار إعلاماً بأن تارك النهي عن المنكر مع القدرة شريك للفاعل وإن لم يباشره، والنبي ﷺ قادر لحراسة الله تعالى له ؛ ثم علل ذلك بقوله :﴿لا إله إلا هو﴾ أي حتى يستحق أن يشتغل به عبد ؛ ثم علل وحدانيته بقوله :﴿كل شيء هالك﴾ أي هو في قوة الهلاك والفناء ومستحق لذلك لأنه ممكن ﴿إلا وجهه﴾ أي هو، فهو الباقي لأنه الواجب الوجود، ووجود كل موجود إنما كان به، ولعله عبر عن الذات بالوجه ليشمل ما قصد به من العمل الصالح مع ما هو معروف من تسويغه لذلك بكونه بكونه أشرف الجملة، وبكون النظر إليه هو الحامل على الطاعة بالاستحيساء وما في معناه ؛ ثم علل ذلك بقوله :﴿له﴾ أي لله وحده فالضمير استخدام ﴿الحكم﴾ أي العمل المحكم بالعلم والنافذ على كل شيء، ولا حكم لشيء عليه ﴿وإليه﴾ وحده ﴿ترجعون*﴾ في جميع أحوالكم : في الدنيا بحيث أنه لا ينفذ لأحد مراد إلا بإرادته، وفي الآخرة بالبعث فيجازي المحسن بإحسانه والعاصي بعصيانه، ولا شك أن هذه الأوامر والنواهي وإن كان خطابها متوجهاً إليه ﷺ قالمقصود بها اتباعه، ولعلها إنما وجهت إليه ﷺ عليه لأن أمر الرئيس أدعى لأتباعه إلى القبول، وقد اتضح بهذا البيان، في هذه المعاني الحسان، أن هذا الكتاب مبين، وبإنفاذ إرادته سبحانه وتعالى في تقوية


الصفحة التالية
Icon