ولما أثبت سبحانه بهذا علمه الشامل وقدرته التامة الدنيا، عادله بما يستلزم مثل ذلك في الآخرة، فكان حاصل ما مضى من الاستفهامك أحسب الناس أنا لا نقدر عليهم ولا نعلم أحوالهم في الدنيا أم حسبوا أنم ذلك لا يكون في الأخرى، فيذهب ظلمهم في الدنيا وتركهم لأمر الله وتكبرهم على عبادة مجاناً، فيكون خلقنا لهم عبثاُ لا حكمة فيه، بل الحكمة في تركه، وهذا الثاني هو معنى قوله منكراً أم حسب، أو يكون المعنى أنه لما أنكر على الناس عموماً ظنهم الإهمال، علم أن أهل السيئات أولى بهذا الحكم، فكان الإنكار عليهم أشد، فعادل الهمزة بأم في السياق الإنكار كما عادلها بها في قوله :﴿أتخذتم عند الله عهداً﴾ [البقرة : ٨٠] الآية، فقال :﴿أم حسب﴾ أي ظن ظناً يمشي له ويستمر عليه، فلا يبين له جهله فيه بأمر يحسبه فلا يشتبه عليه بوجه ﴿الذين يعملون السيئات﴾
٥٣٦
أي التي منعناهم بأدلة النقل المؤيدة ببراهين العقل - منها بالنهي عنها، ووضع موضع المفعولين ما اشتمل على مسند ومسند إليه من قوله :﴿أن يسبقونا﴾ أي يقوتونا فوت السابق لغيره فيعجزونا فلا نقد عليهم في الدنيا بإمضاء ما قدرناه عليهم في الدنيا بإمضاء ما قدرناه عليهم من خير وشر في أوقاته التي ضربناها له، وفي الدار الآخرة بأن نحييهم بعد أن نميتهم، ثم نحشرهم إلى محل الجزاء صغره داخرين، فنجازيهم على ما عملوا ونقتص لمن أساؤوا إليه منهم، ويظهر تحلينا بصفة العدل فيهم.
ولما أنكر هذا، عجب ممن يحوك ذلك في صدره تعظيماً لإنكار فقال :﴿ساء ما يحكمون*﴾ أي ما أسوأ هذا الذي أوقعوا الحكم به لأنفسهم لأن أضعفهم عقلاً لا يرضى لعبيده أن يظلم بعضهم بعضاً ثم لا ينصف بينهم فكيف يظنون بنا ما لا يرضونه لأنفسهم.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٥٣٣