ولما كان السياق لإثبات الإلهية التي تجب المبادرة إلى تفريغ الفكر وتوجيه كل الذهن إلى الاستدلال عليهان عبر بالفاء المعقبة فقال :﴿فانظروا﴾ أي نظر اعتبار ﴿كيف بدأ﴾ أى ربكم الذي خلقكم ورزقكم ﴿الخلق﴾ من الحيوانات والنبات من الزروع والأشجار، وغيرها مما تضمنه الجبال والسهول والأوعار، وهذا يدل على أن الأول فيما هو أعم من الحيوان، فتقريرهم على الإعادة فيه حسن.
ولما كان المقصود بالذات بيان الإعادة التي هي من أجل مقاصد السورة، لإظهار ما مضى أولها من العدل يوم الفصلن وكانوا بها مكذبين، بين الاهتمام بأمرها بإبراز الاسم الأعظم بعد تكريره في هذا السياق غير مرة، وأضمره في سياق البداءة لإقرارهم له بها، إشارة إلى أنه باطن في هذه الدار، ظاهر بجميع الصفات في تلك، فقال :﴿ثم الله﴾ أي الحائز لجميع صفات الكمال فلا يفوته شيء، المتردي بالجلال، فاخشوا سطوته، واتقوا عقوبته ونقمته ﴿ينشىء النشأة الآخرة﴾ بعد النشأة الأولى.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٥٤٧
ثم علل ذلك بقوله مؤكداً تنزيلاً لهم منزلة المنكر لإنكاره البعث :﴿إن الله﴾ فكرر ذكره تنبيهاً بعد التيمن به على ما ذكره وعلى أنه في كل أفعاله لا سيما هذا المطلق غير مقيد بجهة من الجهات، ولا مشروط بأمر من الأمور ﴿على كل شيء قدير*﴾ لأن نسبة الأشياء كلها إليه واحدة.
٥٤٨
ولما ثبت ذلك، انتج لا محالة قوله : مهدداً بعد البيان الذي ليس بعده إلا بعده العناد :﴿يعذب﴾ بعدله ﴿من يشاء﴾ أي منكم ومن غيركم في الدنيا والآخرة، فلا يقدر أحد بشفاعة ولا غيرها على الحماية منه ﴿ويرحم﴾ بفضله ﴿من يشاء﴾ فلا يقدر أحد على أن يمسه بسوء ﴿وإليه﴾ أي وحده ﴿تقلبون*﴾ أى بعد موتكم بأيسر سعي.


الصفحة التالية
Icon