ولما كان ما للشيء إنما هو في الحقيقة ما ينفعه، وكان قد حجبها سبحانه بالشهوات والحظوظ الشاغلة عن استعمال ور العقل، قال :﴿وقال﴾ ي إبراهيم عليه الصلاة والسلام غير هائب لتهديدهم بقتل ولا غيره، مؤكداً لأجل ما أشار إليه مما ينكرونه من ضعف شركائهم وعجزها :﴿إنما اتخذتم﴾ أي أخذتم باصطناع وتكلف، وأشار لى عظمة الخالق وعلو شأنه بقوله :﴿من دون الله﴾ أي الذي كل شيء تحت قهره، ولا كلفة - في اعتقاد كونه رباً - باحتياج إلى مقدمة جعل وصنعة ولا غير ذلك، وقال :﴿أوثاناً﴾ إشارة إلى تكثرها الذي هو مناف لرتبة الإلهية ؛ وأشار إلى ذلك النفع بقوله :﴿مودة﴾ أي لأجل مودة - عند من نصب سواء ترك التنوين وهم حمزة وخفص عن عاصم وروح عن يعقوب أو نوّن وهم الباقون ﴿بينكم﴾ من خفضه على الاتساع ورفع " مودة " وهم ابن كثير وأبو عمرو والكسائي ورويس عن يعقوب كان المعنى : هي مودة اللبين الجامع لكم بمعنى مودتكم على وجه أبلغ، لأن المودة إذا كانت لبين جامع الناس كانت لأؤلئك الناس بطريق الأولى، ومن خفضه ونصبها وهم حمزة وحفص عن عاصم وروح عن يعقوب فالمعنى : لأجل المودة، ومن نصبها ونوّن وهم نافع وابن عامر وأبو جعفر وشعبة فالبين عنده ظرف ﴿في الحياة الدنيا﴾ بالاجتماع عندها والتواصل في أمرها بالتناصر والتعاضد كما يتفق ناس على مذهب فيكون ذلك سبب تصادقهم، وهذا دال على أن جمع الفسوق لأهل الدنيا هو العادة المستمرة، وأن الحب في الله والاجتماع له عزيز جداً، لما فيه من قطع علائق الدنيا وشهواتها التي زينت للناس، بما فيها من الإلباس، وعظيم البأس.
ولما أشار إلى هذا النفع الذي هو في الحقيقة ضر، ذكر ما يعقبه من الضر البالغ،
٥٥١