ولما كان في سياق الابتلاء، وذكر من الأنبياء من طال ابتلاؤهن بين أنه لم يكن لهم من أممهم تابع يقدر على نصرهم، وأن الله سبحانه تولى كفايتهم فلم يقدر واحد على إهلاكهم، وأهلك أعدائهم، فلم يكن لهم من ناصرين فقال :﴿فآمن﴾ أى لأجل دعائه له مع ما رأى من الآيات ﴿لوط﴾ أي ابن أخيه هاران وحده، وهو أول من صدقه من الرجال ﴿وقال﴾ أي غبراهيم عليهما لاصلاةوالسلام مؤكداً لما هو جدير بالإنكار من الهجرة لصعوبتها :﴿إني مهاجر﴾ أي خارج من أرضي وعشيرتي على وجه الهجر لهم فمنتقل ومنحاز ﴿إلى ربي﴾ أي إلى أرض ليس بها أنيس ولا عشير، ولا من ترجى نصرته، ولا من تنفع مودته، فحينئذ يتبين الرضى بالله وحده، والاعتماد عليه دون ما سواه، فهاجر من كوثى من سواد الكوفة إلى حران ثم منها إلى الأرض المقدسة، فكانت له هجرتان، وهو أول من هاجر في الله، قال مقاتل : وكان إذ ذاك ابن خمس وسبعين سنة.
ثم علل ذلك بما يسليه عن فراق أرضه وأهل وده من ذوي رحمة وأنسابه وأولى قربه، فقال مؤكداً تسكيناً لمن عساه يتبعه وتهويناً عليه لفراق ما ألقت النفوس من أنه لا عز إلا به من العشائر والأموال والمعارف :﴿إنه هو﴾ أي وحده ﴿العزيز﴾ أي فهو جدير بإعزاز من انقطع إليه ﴿الحكيم*﴾ فهو إذا أز أحداً منعته حكمته من التعرض له بإذلال، بفعل أو مقال، كما صنع بي حين اراد إذلالي من كان جديراً بإعزازي من عشيرتي وأهل قربى، وبالغ في أذاي ممن كان حقيقاً بنفعي من ذوي رحمي وحبي.
٥٥٢