ولما كان سبحانه قد حجب عن الأبصار كثيراً من الناس قال :﴿لقوم يعقلون*﴾ فعد من لم يستبصر به عير عاقل ولا شاعر بأنها آية ولا فيه أهلية القيام بما يريد.
ولما كان السياق لإثبات يوم الدين وإهلاك المفسدين، ولمن طال ابتلاؤه من الصالحين ولم يجد له ناصراً من قومه، إما لغربته عنهم، وإما لقلة عشيرته لتسميتهم وعدم أتباعه، وكان شعيب عليه السلام ممن استضعفه قومه واستقلوا عشيرته لتسميتهم لهم رهطاً، والرلهط ما دون العشرة أو من شبعة إلى عشرة، وما دون السبعة إلى الثلاثة نفر، فكان عليه السلام كذلك في هذا العداد، عقب قصة لوط بقصته عليه الصلاة والسلام فقال :﴿وإلى﴾ أي ولقد أرسلنا إلى ﴿مدين أخاهم﴾ أى من النسب والبلد ﴿شعيباً﴾.
٥٥٧
ولما كان مقصود السورة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من غير فترة، عبر بالفاء فقال :﴿فقال﴾ أي فتسبب عن إرساله وتعقبه أن قال :﴿يا قوم اعبدوا الله﴾ أي الملك الأعلى وحده، ولا تشركوا به شيئاًن فإن العبادة التي فيها شرك عدم، لأن الله تعالى أغنى الشركاء فهو لا يقبل إلا ما كان له خالصاً.
ولما كان السياق لإقامة الأدلة على البعث الذي هو من مقاصد السورة قال :﴿وارجوا اليوم الآخر﴾ أي حسن الجزاء فيه لتفعلوا ما يليق بذلك ﴿ولا تعثوا في الأرض﴾ حال كونكم ﴿مفسدين*﴾ أي متعمدين الفساد.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٥٥٦
ولماتسبب عن هذا النصح وتعقبه تكذيبهم فتسبب عنه وتعقبه إهلاكهم، تحقيقاً لأن أهل السيئات لا يسبقون قالك ﴿فكذبوه فأخذتهم﴾ أي لذلك أخذ قهر وغلبة ﴿الرجفة﴾ أي الصيحة التي زلزلت بهم فأهلكتهم ﴿فأصبحوا في دراهم﴾ أي محالهم التي كانت دائرة بهم وكانوا يدورون فيها ﴿جاثمين*﴾ أي واقعين على صدورهم، لازمين مكاناً واحداً، لا يقدرون على حركة أصلاً، لأنه لا أرواح لهم.