ولما أفرحهم بما كأنه تسليم لمدعاهم، وكان من البين أن لسان الحال يقول : ألم يكفهم ما جئتهم به من الآيات المرئيات والمسموعات، وعجزوا عن الإتيان بشيء منها، عطف على ذلك قوله منكراً على جهلهم وعنادهم :﴿أو لم يكفهم﴾ أي إن كانوا طالبين للحق غير متعنتين آية بينة مغنية عن كل آية ﴿أنا أنزلنا﴾ بعظمتنا ﴿عليك الكتاب﴾ أي الجامع لسعادة الدارين بحيث صار خلقاُ لك غالباً على حركاتك وسكانتك ﴿يتلى عليهم﴾ أي يتجدد متابعة قراءته عليهم شيئاً بعد شيء في كل مكان وكل زمان من كل تالٍ مصدقاً لما في الكتب القديمة من نعتك وغيره من الآيات الدالة على صدقك، يتحدّون بك لشيء نزل منه مع تحديهم بما فبله من آياته صباح مساء، يفعون بذلك مدى الدهر في أقفائهم ويدفعون، فكلما أرادوا التقدم ردوا عجزاً إلى ورائهم ن فأعظم به آية باقية، إذ كل ىية سواه منقضية ماضيةن وقال الشيخ أبو العباس المرسي : خشع بعض الصحابة رضي الله عنهم من سماع اليهود بقراءة التوراة وفي كلام الله فما ظنك بمن أعرض عن كتاب الله وتخشع بالملاهي والغناء.
ولما كان هذا أعظم من كل آية يقترحونها ولو توالى عليهم إتيانها كل يوم لدوام هذا على مر الأيام والشهور، حتى تفنى الأزمان والدهور، أشار تعالى 'لى هذا العظمة، مع ما فيها من النعمة، بقوله مؤكداً على جهلهم فيما لزم من كلامهم الأول من إنكار أن يكون في القرآن آيه تدلهم على الصدق :﴿إن في ذلك﴾ أي إنزال الكتاب
٥٦٨
على هذا الوجه البعيد المنال البديع المثال ﴿لرحمة﴾ لهم لصقله صدأ القلوب في كل لحظة، وتطهيره خبث النفوس في كل لمحة ﴿وذكرى﴾ أي عظيمة مستمراً تذكرها.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٥٦٨