ولما كانت العلالي لا تروض إلا بالرياض قال :﴿تجري﴾ ولما كان عموم الماء لجهة التحت بالعذاب أشبه، بعضه فقال :﴿من تحتها الأنهار﴾ ومن المعلوم أنه لا يكون في موضع أنهار، إلا كان به بساتين كبار، وزروع ورياض وأزهار - فيشرفون عليها من تلك العلالي.
ولما كانت بحالة لا نكد فيها يوجب هجره في لحظة ما، كنى عنه بقوله :﴿خالدين فيها﴾ أي لا يبغون عنها حولاً ؛ ثم عظم أمرها، شرف قدرها، بقولهك ﴿نعم أجر العاملين﴾ ثم وصفهم بما يرغب في الهجرة، فقال معرفاً بجماع الخير كله الصبر وكونه على جهة التفويض لله، منبهاً على أن الإنسان لا ينفك عن أمر شاق ينبغي الصبر عليه :﴿الذين صبروا﴾ أي اوجدوا هذه الحقيقة حتى استقرت عندهم فكانت سجية لهم، فأوقعوها على كل شاق من التكاليف من هجرة وغيرها.
ولما كان الإنسان إلى المحسن إليع أميل، قال مرغباً في الاستراحة بالتفويض إليه :﴿وعلى ربهم﴾ أي وحده لا على أهل ولا وطن ﴿يتوكلون*﴾ أى يوجدون التوكل إيجاداً مستمر التجديد عند كل مهم يعرض لهم إرزاقهم بعد الهجرة وغيرها وجهاد أعدائهم وغير ذلك من أمورهم.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٥٧١
ولما أشار بالتوكل إلىان الكافي في امر الرزق في الوطن والغربة، لا مال ولا أهل، قال عاطفاً على ما تقديره : فكأيّ من متوكل عليه كفاه، ولم يحوجه إلى أحد
٥٧٣
سواه فليبادر من أنقذه من الكفر وهداه إلى الهجرة طالباً لرضاه :﴿وكأيّن من دابة﴾ أي كثير من الدواب العاقلة وغيرها ﴿لا تحمل﴾ أي لا تطيق أن تحمل ﴿رزقها﴾ ولا تدخر شيئاً لساعة أخرى، لأنها قد لا تدرك نفع ذلك، وقد تدركه وتتوكل، أو لا تجد.