ولما هوّن سبحانه بخطابه مع امؤمنين بعد أن كان قد ابلغ في تنبيه الطكافرين بإيضاح المقال، وضرب الأمثال، ولين المحاورة في الجدال، ولما كان الملك لا يتمكن غاية التمكن من ترزيق من في غير مملكته، قال عاطفاً على نحو : فلئن سألتهم عن ذلك ليصدقنك عائداً إلى استعطاف المعرضين، واللطف بالفافلين، ناهجاً في تفنين الوعظ أعني طرق الحكمة، فإن السيد إذا كان له عبدان : مصلح ومفسد، ينصح المفسد، فإن لم يسمع التفت إلى المصلح، إعراضاً عنه قائلاً : هذا لا يستحق الخطاب، فاسمع أنت ولا تكن مثله، فكان قوله متضمناً نصح المصلح وزجر المفسد، ثم إذا سمع وعظ أخيه كان ذلك محركاً منه بعد التحريك بالإعراض والذم بسوء النظر لنفسه وقلة الفطنة، فإذا خاطبه بعد هذا وجده متهيئاً للقبول، نازعاً إلى الوفاق، مستهجناً للخلاف :﴿ولئن سالتهم﴾ أي المؤمون وغيره، وأغلب القصد له :﴿من خلق السماوات والأرض﴾ وسواهما على هذا النظام العظيم ﴿وسخر الشمس والقمر﴾ لإصلاح القواتن ومعرفة الأوقات، وغير ذلك من المنافع.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٥٧٣
ولما كان حالهم في إنكار العبث حال من ينكر أن يكون سبحانه خلق هذا الوجود، أكد تنبيهاً على أن الاعتراف بذلك يلزم منه الاعتارف بالبعث فقال :
٥٧٤
﴿ليقولن الله﴾ أي الذي له جميع صفات الكمال لما قد تقرر في فطرهم من ذلك وتلقفوه عن أبائهم موافقة للحق في نفس الأمر.
ولما كان حال من صرف الهمة عنه عجباً يستحق أن يسأل عنه وجه التعجب منه إشارة إلى أنه لا وجه له، قال ﴿فأنى﴾ أي فكيف ومنأي وجه ﴿يؤفكون*﴾ أي يصرف من صارف ما من لم يتوكل عليه أو لم يخلص له العبادة في كل احواله، وجميع اقواله وافعاله، عن افخلاص له مع إقرارهم بأنه لا شريك له في الخلق فيكون وجهه إلى قفاه فينظر الأشياء على خلاف ما هي عليه فيقع في خبط العشواء وحيرة والعجباء.