لأنه لا خوف على من دخله، فلما أمن كل حالّ به كان كأنه هو نفس الأمن، وهو حرم مكة المشرفة، وأمنة موجب للتوحيد والإخلاص، رغبة في دوامهن وخوفاً من انصرامه، كما كان الخوف في البحر موجباً للإخلاص خوفاً من دوامه، ورغبة في انصرامه ﴿و﴾ الحال أنه ﴿يتخطف﴾ وبناه للمفعول لأن المقصود الفعل لا فاعل معين.
ولما كان التخطف غير خاص بناس دون آخرين، بل كان جميع العرب يغزو بعضهم بعضاً، ويغير بعضهم على بعض بالقتل والأسر والنهب وغير ذلك من أنواع الأذى، قال :﴿الناس من حولهم﴾ أي من حول من فيه من كل جهة تخطفَ الطيور مع قلة من بمكة وكثر من حولهم، فالذي خرق العادة في فعل ذلك حتى صار على هذا السنن قادر على أن يعكس الحال فيجعل من بالحرم متخطفاً ومن حوله آمناً، أو يجعل الكل في الخوف على منهاج واحد.
ولما تبين أن هلا يوجد لشركهم ولا لكفرهم هذه النعمة الظاهرة المكشوفة، تسبب الإنكار في قوله :﴿أفبالباطل﴾ أي خاصة من الأوثان وغيرهما ﴿يؤمنون﴾ والحال أنه لا يشك عاقل في بطلانه، وجاء الحصر من حيث إن من كفر بالله تبعه الكفر بك لحق والتصديق بكل باطل ﴿وبنعمة الله﴾ التي أحدثها لهم من الإنجاء وغيره ﴿يكفرون*﴾ حيث جعلوا موضع شكرهم له على النجاه شركهم بعبادة غيره.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٥٧٦