ولما كان هذا كله في الذين فتنوا فلم يجاهدوا أنفسهم، كان المعنى : فالذين فتناهم فوجدوا كاذبين ضلوا فصاروا لا يعقلون ولا يعلمون، لكونهم لم يكونوا من المجاهدين، فعطف عليه قوله :﴿والذين جاهدوا﴾ أى أوقعلوا الجهاد بغاية جهدهم على ما دل عليه بالمفاعلة ﴿فينا﴾ أي بسبب حقنا ومراقبتنا خاصة بلزوم الطاعات من جهاد الكفار وغيرهم من كل ما ينبغي الجهاد فيه بالقول والفعل في الشدة والرخاء، ومخالفة الهوى عند هجوم الفتن، وشدائد المحن، مستحضرين لعظمتنا.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٥٧٩
ولما كان الكفار ينكرون فلاحهم وكان المفلح والظافر في كل شيء والمهتدي، قال معبراً بالسبب عن المسبب :﴿لنهديهم﴾ بما نجعل لهم من النور الذي لا يضل من صحبه، هداية يليق بعظمتنا ﴿سبلنا﴾ أي لا سبل غيرها، علماً وعملاً، ونكون معهم بلطفنا ومعونتنا، لأنهم أحسنوا المجاهدة فهنيئاً لمن قاتل في سبيل الله ولو فواق ناقة لهذه الآية وقوله تعالى ﴿والذين قاتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم سيهديهم ويصلح بالهم﴾ [محمد : ٤]، ولهذا كان سفيان بن عيينة يقول : إذا اختلف الناس فانظروا ما عليه أهل الغزو.
ولما كان المحسن كلما توفر حظه في مقام الإحسان نقص حظه من الدنيا، فظن الأغبياء أنه ليس لله به عناية، عظم التأكيد في قوله، لافتاً الكلام عن أسلوب الجلال إلى أجلّ عنه بما زاد من الجمال ﴿وإن الله﴾ أي بعظمته وجلاله وكبريائه الحكم بالوصف والتعميم فأظهر قائلاً :﴿لمع المحسنين*﴾ أي كلهم بالنصر والمعونة في دنياهم،
٥٨٠