وذكر أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم في أوائل فتوح مصر نحو هذا الحديث من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أنه سمع ابن عمر رضي الله عنه يسأل الهرمزان عنسبب ظهور الروم على كسرى فأخبره به، وكان مما تمكن الخلاف عليه أيضاً أنه كان طلب الذين هربوا بعد قتل قائدهم راهزاد، وأمر بأن يعاقبوا على انهزامهم، فأحوجهم بهذا إلى الخلاف عليه وطلب الحيل نجاة أنفسهم منه، فإن كانت الوقعة التي غلبت الروم فيها بأذرعات أو الأردن فهي أدنى أرض الروم - أي اقربها - إلى مكة المشرفة، وإن كانت بالجزيرة فهي ادنى بالنظر إلى كسرى - هذا ما حقت فيه الآية في ظاهر العبارة وصريحها مع ما انضم إلى ذلك من إداله العرب على افرس أيضاً في هذا الوقت في وقعة ذي قار - كما بينته في شرحي لنظمي للسيرة النبيوية المسمى " نظم الجواهر من سيرة سيد الأوائل والأواخر " وسيأتي ملخصه قريباً - حتى يقال : إن نصره الروم والعرب ونصرة المسلمين في بدر كانت في آن واحد.
ومن أعاجيب ما دخل تحت مفهوم الآية من لطائف المعهجزات في باطن الإشارة وتلويحها أن زماننا هذا كان قد غلب فيه على ملك مصر جندها الغرباء من الترك وغيرهم ثم اختص به الشراكسة منهم من نحو مائة سنة، وهم ممن ليس له كتاب في الأصل وإن كان إسلامهم قد جب ما كانوا عليه من قبل وكانوا إذا مات أحدهم وله ابن ولوا ابنه لأجل مماليكه واتباع ابيه إلى أن يعلموا الحيلة في خلعه، وكان أكثر أولادهم يكون صغيراً أو في حكمه حتى كانت سنة خمس وستين وثنانمائة، فصادف أن المتولي بها من أولادهم المؤيد أحمد بن الأشرف إينال العلائي، وكان قد ناهز الأربعين، وكان عنده حزم
٥٩٣


الصفحة التالية
Icon