ولما ذكر حالهم في الدنيا، أتبعه ذكر اعتقادهم في الآخرة، مؤكداً إشارة إلى أن
٦٠١
الحال يقتضي إنكار أن يغفل أحد عنها، لما لها من واضح الدلائل أقربه أن اسنم ضدها يدل عليها، لأنه لا تكون إلا في مقابلة قصياً، ولا أولى إلا بالنسبة إلى أخرى، فقال :﴿وهم﴾ أى هؤلاء الموصوفون خاصة ﴿عن الآخرة﴾ التي هي المقصود بالذات وما خلقت الدنيا إلا للتوصل بها إليها ليظهر الحكم بالقسط وجميع صصفات العز والكبر والجلال والإكرام ﴿هم غافلون*﴾ أي في غاية الاستغراق والإضراب عنها بحيث لا يخطر في خواطرهم، فصاروا لاستيلاء الغفلة عليهم إذا ذكرت لهم كذبوا بها، واستهزؤوا بالمخبر، ولم يجوزوها نوع تجير مع أن دلائلها تفوت الحصر، وتزيد على العد، فصاروا كأنهم مخصوصون بالغفلة عنها من بين سائر الناس ومخصصون لها بالغفلة من بين سائر الممكنات، فلذلك لا يصدقون الوعد بإدالة الروم لما رسخ في نفوسهم من أن الأمور تجري ين العباد غعلى غير قانون الحكمة، لأنهم كثيراً ما يرون الظالم يموت ولم يقتص منه، وهم في غفلة عن أنه أخر جزاؤه إلى يوم الدين، يوم يكشف الجبار حجاب الغفلة ويظهر عدله وفضله، ومن أريد القصاص منه عاجلا فعل، وقضية الروم هذه منذلك، وهذا السياق يدل على أنه لا حجاب عن العلم أعظم من التكذيب بالآخرة، ولا شيء اعون عليه من التصصديق بها والاهتمام بشانها، لأن ذلك حامل علىطلب الخلاص في ذلك اليوم، وهو لا يكيون على أتم الوجوه غلا لمن وصل إلى حالة المراقبة، وذلك لا يكون إلا لمن علم إما بالكشف أو الكسب كل علم فلم يتحرك حركة غلا بدليل يبيحها له ويحمله عليها، وبهذا التقرير يظهر أن هاتين الجملتين بكمالهما في حال غفلتهم عن الآخرة، فانسد عليهم باب العلم - والله الموفق.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٦٠١


الصفحة التالية
Icon