وطورهم في أطوار الصور، وفاوت بينهم في القوى والقدر، وبين آجالهم في الطول والقصر، وسلط بعضهم على بعض بأنواع الضرر، وأمات أكثرهم مظلوماً قبل القصاص والظفر، لا بد في حكمته البالغة من جمعهم للعدل بينهم في جزاء من وفى أو غدر، أوأو شكر أو كفر، ثم ذكر نتيجة ذلك وعلله بقوله في أسولب التأكيد لأجل إنكارهم، وعلى التقدير الأول يكون هذا هو المتفكر فيه ﴿ما خلق الله﴾ أي بعز جلاله، وعلوه في كماله ﴿السماوات والأرض﴾ علىما هما عليه من النظام المحكمن والقانون المتقن، وافرد الأرض لعدم دليل حسي أو عقلي يدلهم على تعددها بخلاف السماء ﴿وما بينهما﴾ من المعاني التي بها كمال منافعهما ﴿إلا﴾ خلقاً متلبساً ﴿بالحق﴾ أي الأمر الثابت الذي يطابقه الواقع، فإذا ذكر البعث الذي هو مبدأه الآخرة التي هذا أسلوبها وجد الواقع في تصوير النطف ونفخ الروح وتمييز الصالح منها للتصوير من الفاسد يطابق ذلك، وإذا تدبر النبات بعد أن كان هشيماً قد نزل عليه الماء فزها واهتز وربا وجده مطكابقاً للأمر البعث، وإذا ذكر القدرة فراى إختلاف الليل والنهار، وسير الكواكب الصغارو الكبار، وإمطار الأمطار، وإجراء الأنهار، ونحو ذلك من لأسرار، رآه مطابقاً لكل ما يخطر في باله من الأقدار، وإذا خطر له العلم، فتبصر في جري هذه الأمور وغيرها على منهاج مستقيم، ونظام واضح قويم، وسير متقن حكيم، علم أن ذلك في غاية المطابقة للخبر بالعلم الشامل والقدرة التامة على البعث وغيره، أو إلا بالأمر الثابت والقضاء النافذ الذي لا يتخلف عنه المراد، ولا يستعصي عليه حيوان ولا جماد، وخلقكم من هذا الخلق الكبير الذي قام بأمره من بعض ترابه.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٦٠١