﴿فيبحان الله﴾ أي سبحوا الذي له جميع العظمة بمجامع التسبيح بأن تقولوا هذا القول الذي هو عَلَمه، فهو منزه عن كل نقص ؛ ثم ذكر أوقات التسبيح إشارة إلى ما فيها من التغير الذي هو منزه عنه وإلى ما يتجدد فيها من النعم ووجود الأحوال الدالة على القدرة على الإبداع الدال على البعث، فقال دالاً على الاستغراق بنزع الخافض مقدماً المحو لأنه أدل على البعث الذي النزاع فيه وهو الأصل، لافتاً الكلام إلى الخطاب لأنه أشد تنبيهاً :﴿حين تمسون﴾ أي أول دخول الليل بإذهاب النهار وتفريق النور، فيعتريكم الملل، ويداخلكم الفتور والكسل، على سبيل التجدد والاستمرار، وأكد الندب إلى التسبيح بإعادة المضاف فقال :﴿وحين تصبحون*﴾ بتحويل الأمر فتقومون أحياء بعد ان كنتم أمواتاً فتجدون نهاراً قد أضاء بعد ليل كان دحى، فتفعلون ما هو سبحانه منزه عنه من الحركة والسعي في جلب النفع ودفع الضرر، وأرشد السياق إلى أن التقدير : وله الحمد في هذين الجنسين.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٦٠٧
ولما ذكر ما يدل على خصوص التنزيه، اتبعه ما يعرف بعموم الكمال، فقال ذاكراً لوقت كمال النهار وكمال الظلام، وتذكيراً بما يحدث عندهما للآدمي من النقص بالفتور والنوم اعتراضاً بين الأوقات للاهتمام بضم التحميد إلى التسبيح :﴿وله﴾ أي وحده مع النزاهة عن الشوائب النقص ﴿الحمد﴾ أي الإحاطة بأوصاف الكمال.
ولما قدم سبحانه أن تنزهه ملأ الأزمان، وكان ذلك مستلزماً لملء الأكوان، وكان إثبات الكمال أبين شرفاً من التنزيه عن النقص، صرح فيه بالقبيلين فقال :﴿في السماوات﴾ أي الأجرام العالية كلها التي تحريكها - مع أنها من الكبر في حد لا يحيط به غلا هو سبحانه - سبب للإمساء والإصباح وغيرهما من المنافع ﴿والأرض﴾ التي فيها من
٦٠٩