ولما كان ابتداء الإنسان من التراب في غاية العجب، أشار إلى ذلك بأداة البعد فقال :﴿ثم﴾ أي بعد إخراجكم منه ﴿إذا أنتم بشر﴾ أى فاجأتم كونكم لكم بشرة هي في غاية التماسك والاتصال مع اللين عكس ما كان لكم من الوصف غذا كنتم تراباً، واسند الاتنشار إلى المبتدأ المخاطب لا الخبر لأن الخطاب أدل على المراد فقال :﴿تنتشرون﴾ أى تبلغون بالنشر كل مبلغ بالانتقال من مكان غلىمكان مع العقل والنطق، ولم يختم هذه الآية بما ختم به ما بعدها دلالة على أنها جامعة لجميع الآيات، ودلالة على جميع الكمالات، وختم ما بعدها بذلك تنبيهاً على أن الناس أهملوا النظر فيها على وضوحها، وكان من حقهم أن يجعلوها نصب أعينهم، دلالة على كل ما نزلت به الكتب، وأخبرت به الرسل، وكذلك أكد في الإخبار إعلاماً بأنهم صاروا لإهمالها في حيز الإنكار.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٦٠٧
ولما كام أعجب من ذلك أن هذا الذي خلقه التراب ذكراً خلق منه أنثى، وجعلهما شبهي السماء والأرض ماء ونبتاً وفضالً، قال :﴿ومن آيته﴾ أي على ذلك ؛ ولما كان إيجاد الأنثى من الذكر خاص لم يكن إلا مرة واحدة كالخلق من اتراب، عبر بالماضي فقال :﴿أن خلق لكم﴾ أى لأجلكم ليبقى نوعكم بالتوالد، وفي
٦١٢
تقديم الجار دلالة على حرمة التزوج من غير النوع، والتعبير بالنفس اظهر في كونها من بدن الرجل في قوله :﴿من أنفسكم﴾ أى جنسكم بعد إيجادها من ذات ابيكم آدم عليه السلام ﴿أزواجاً﴾ إناثاً هن شفع لكم ﴿لتسكنوا﴾ مائلين ﴿إليها﴾ بالشهوة والألفة، من قولهم : سكن إليه - إذا مال وانقطع واطمأن إليه، ولم يجعلهما من غير جنسكم لئلا تنتفروا منها.


الصفحة التالية
Icon