ولما ذكر تصرفه في الظرف وبعض المظروف من ألإنس والجن، ذكر قهره للكل فقال :﴿وله﴾ أى وحده بالملك الأتم ﴿من في السماوات والأرض﴾ أي كلهم، وأشار إلى الملك بقوله :﴿كلٌّ له﴾ أي وحده.
ولما كان انقياد الجمع مستلزماً لانقياد الفرد دون عكسه جمع في قوله :﴿قانتون*﴾ أى مخلصون في الانقياد ليس لأنفسهم ولا لمن سواه في الحقيقة والواقع تصرفبوجه ما إلا بإذنه، وقال ابن عباس رضي الله عنهما : مطيعون طاعة الإرادة وإن تعصو أمره في العبادة - نقله عنه البغوي وغيره ورجحه الطبري وهو معنى ما قلت.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٦١٥
ولما كان هذا معنى يشاهده كل أد في نفسه مع كا جلى سبحانه من عرائ الآيات الماضيات، فوصل الأمر في الوضوح إلى حد عظيم قال :﴿وهو﴾ أي لا غيره ﴿الذي يبدؤا الخلق﴾ أي على سبيل التجديد كما تشاهدون، وأشار إلى تعظيم الإعادة بأداة التراخي فقال :﴿ثم يعيده﴾ أي بعد أن يبيده.
ولما كان من المركوز في فطر البشر أن إعادة الشيء اسهل من ابتدائه قال :﴿وهو﴾ أى وذلك الذي ينكرونه من الإعادة ﴿أهون عليه﴾ خطاباً لهم بما الفوه وعقلوه ولذلك أخر الصلة لأنه لا معنى هنا للاختصاص الذي يفيده تقديمها.
٦١٧
ولما كان هذا إثماً هو على طريق التمثيل لما يخفى عليهم بما هو جلي عندهم، وكل من الأمرين بالنسبة إلى قدرته على حد سواء لا شيء في علمه أجلى من آخر، ولا في قدرته أولى من الآخر، قال مشيراً إلى تنزيه نفسه المقدسة عما قد يتوهمه بعض الأغبياء من ذلك :﴿وله﴾ أى وحده ﴿المثل الأعلى﴾ أي الذي تنزه عن كل شائبة نقص، واستولى على كل رتبة كمال، وهو أمره الذي أحاط لكل مقدور، فعلم به إحاطته هو سبحانه بكل معلوم، كما تقدم في البقرة في شرح المثل ﴿ألا له الخلق والأم﴾ [الأعراف : ٥٤].