ولما كان الأخذ على النبيين في ذلك اخذاً على أممهم، وكان الكفر معذباً عليه من غير شرط، والطاعة مثاباً عليها بشرط الإخلاص علله، معبراً بما هو مقصود السورة فقال ملتفتاً إلى مقام الغيبة لتعظيم الهيبة لأن الخطاب إذا طال استأنس المخاطب :﴿ليسأل﴾ أي يوم القيامة ﴿الصادقين﴾ أي في الوفاء بالعهد ﴿عن صدقهم﴾ هل هو لله خالصاً أو لا، تشريفاً لهم وإهانة وتبكيتاً للكاذبين، ويسأل الكافرين عن كفرهم ما الذي حملهم عليه، والحال أنه أعد للصادقين ثواباً عظيم ﴿وأعد للكافرين﴾ أي الساترين لإشراق أنوار الميثاق ﴿عذاباً أليماً﴾ فالآية، من محاسن رياض الاحتباك، وإنما صرح بسؤال الصادق بشارة له بتشريفه في ذلك الموقف العظيم، وطوى سؤال الكفار إشارة إلى استهانتهم بفضيحة الكذب ﴿ويحلفون على الكذب وهو يعلمون﴾ [المجادلة : ١٤] ﴿فيحلفون له كما يحلفون لكم﴾ [المجادلة : ١٨] وذكر ما هو أنكى لهم.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٧١
٧١
ولما أكد سبحانه وجوب الصدع بكل أمره وإن عظمت وزادت حرقته من غير ركون إلى مؤالف موافق، ولا اهتمام بمخالف مشاقق، اعتماداً على تدبيره، وعظيم أمره في تقديره، ذكرهم بدليل شهودي هو أعظم وقائعهم في حروبهم، وأشد ما دهمتهم من كروبهم، فقال معلماً أن المقصود بالذات بما مضى من الأوامر الأمة - وإنما وجه الأمر إلى الإمام ليكون أدعى لهم إلى الامتثال فإن الأمر للنبي ﷺ تكويني بمنزلة ما يقول الله تعالى له ﴿كن﴾ فحقيقة الإرادة لا الأمر، والأمر للذين آمنوا تكفيلي.


الصفحة التالية
Icon