ولما كان من المعلوم أنهم لم يطبقوا ما علا وما سفل، أدخل أداة التبعيض فقال :﴿من فوقكم﴾ يعني بني قريظة وأسد وغطفان من ناحية مصب السيول من المشرق، وأضاف الفوق إلى ضميرهم لأن العيال كانوا في الآكام، وهي بين بني قريظة وبين من في الخندق، فصاروا فوق العيال والرجال.
ولما كان المراد الفوقية من جهة علو الأرض، أوضحها بقوله :﴿ومن أسفل منكم﴾ دون أن يقول : أسفلكم، وأفاد ذلك أيضاً من في أسفل إنما أحاطوا ببعض جهة الرجال فقط، ولم يقل " ومن تحتكم " لئلا يظن أنه فوق الرؤوس وتحت الأرجل، ولم يقل في الأول " من أعلى منكم " لئلا يكون فيه وصف للكفرة بالعلو، وأسفل الأرض المدينة من ناحية المغرب يعني قريشاً، ومن لافّها من كنانة فإن طريقهم من تلك الجهة.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٧١
ولما ذكرهم بالمجيء الذي هو سبب الخوف، ذكرهم بالخوف بذكر ظرفه أيضاً مفخماً لأمره بالغطف فقال :﴿وإذ﴾ أي واذكروا حين، وأنث الفعل وما عطف عليه لأن التذكير الذي يدور معناه على القوة والعلو والصلابة ينافي الزيغ فقال :﴿زاغت الأبصار﴾ أي مالت عن سداد القصد فعل الواله الجزع بما حصل من الغفلة الناشئة عن الدهشة الحاصلة من الرعب، وقطع ذلك عن الإضافة إلى كاف الخطاب إبقاء عليهم وتعليماً للأدب في المخاطبة، وكذا ﴿وبلغت القلوب﴾ كناية عن شدة الرعب والخفقان، ويجوز - وهو الأقرب - أن يكون ذلك حقيقة بجذب الطحال والرئة لها عند ذلك بانتفاخهما إلى أعلى الصدر، ومنه قولهم للجبان : انتفخ منخره أي رئته ﴿الحناجر﴾ جمع حنجرة، وهي منتهى الحلقوم، ومن هذا قول النبي ﷺ فيما رواه أحمد وأبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه "شر ما في الإنسان جبن خالع" أي يخلع القلب من مكانه، وجمع الكثرة إشارة إلى أن ذلك عمهم أو كاد.
٧١


الصفحة التالية
Icon