ولما كان المكذب لهم بتصديق وعد الله - والله - كثيراً، أكدوا قولهم وذكروا الاسم الأعظم وأضافوا الرسول إليه فقالوا :﴿ما وعدنا الله﴾ الذي ذكر لنا أنه محيط الجلال والجمال ﴿ورسوله﴾ أي الذي قال من قال من قومنا : إنه رسول، استهزاء منهم، وإقامة للدليل في زعمهم لهذا البلاء على بطلان تلك الدعوى ﴿إلا غروراً*﴾ أي باطلاً استدرجنا به إلى الانسلاخ عما كنا عليه من دين آبائنا وإلى الثبات على ما صرنا إليه بعد ذلك الانسلاخ بما وعدنا به من ظهور هذا الدين على الدين كله، والتمكين في البلاد حتى في حفر الخندق، فإنه قال : إنه أبصر بما برق له في ضربه لصخرة سلمان مدينة من اليمن وقصور وكسرى بالحيرة من أرض فارس، وقصور
٧١
الشام من أرض الروم، وإن تابعيه سيظهرون على ذلك كله وقد صدق الله وعده في جميع ذلك حتى في لبس سراقة بن مالك ابن جعشم سوارى كسرى بن هرمز كما هو مذكور مستوفى في دلائل النبوة للبيهقي، وكذبوا في شكهم.
ففاز المصدقون، وخاب الذين هم في ريبهم يترددون.
ولما ذكر ما هو الأصل في نفاقهم وهو التكذيب، أتبعه ما تفرع عليه، ولما كان تخذيليهم بالترجيع مرة، عبر عنه بالماضي فقال :﴿وإذ قالت﴾ أنت الفعل إشارة إلى رخاوتهم وتأنثهم في الأقوال والأفعال ﴿طائفة منهم﴾ أي قوم كثير من موتى القلوب ومرضاها يطوف بعضهم ببعض :﴿يا أهل يثرب﴾ عدلوا عن الاسم - الذي وسمها به النبي ﷺ من المدينة وطيبة مع حسنه - إلى الاسم الذي كانت تدعى به قديماً مع احتمال قبحه بين العباب والمحكم : ثرب وأثرب، بمعنى ثرب تثريباً - إذا لامه وعيّره بذنبه وذكر به.


الصفحة التالية
Icon