لديه، المعلوم امتثالاً للأمر بالتوكل والإعراض عن كل ما سواه سبحانه وأنه لا يختار من الدنيا غير الكفاف، والقناعة والعفاف، بتخيير ألصق الناس به تأديباً لكافة الناس، فقال على طريق الاستنتاج مما تقدم :﴿يا أيها النبي﴾ ذاكراً صفة رفعته واتصاله به سبحانه والإعلام بأسرار القلوب، وخفايا الغيوب، المقتضية لأن يفرغ فكره لما يتلقاه من المعارف، ولا يعلق عن شيء من ذلك بشيء من أذى :﴿قل لأزواجك﴾ أي نسائك :﴿إن كنتن﴾ أي كوناً راسخاً ﴿تردن﴾ أي اختياراً عليّ ﴿الحياة﴾ ووصفها بما يزهد فيها ذوي الهمم ويذكر من له عقل بالآخرة فقال :﴿الدنيا﴾ أي ما فيها من السعة والرفاهية والنعمة ﴿وزينتها﴾ أي المنافية لما أمرني به ربي من الإعراض عنه واحتقاره من أمرها لأنها أبغض خلقه إليه، لأنها قاطعة عنه ﴿فتعالين﴾ أصله أن الأمر يكون أعلى من المأمور، فيدعوه أن يرفع نفسه إليه ثم كثر حتى صار معناه : أقبل، وهو هنا كناية عن الإخبار والإراداة بعلاقة أن المخبر يدنو إلى من يخبره ﴿أمتعكن﴾ أي بما أحسن به إليكن ﴿وأسرحكن﴾ أي من حباله عصمتي ﴿سراحاً جميلاً*﴾ أي ليس فيه مضارة، ولا نوع حقد ولا مقاهرة ﴿وإن كنتن﴾ بما لكن من الجبلة ﴿تردن الله﴾ أي الآمر بالإعراض عن الدنيا للإعلاء إلى ما له من رتب الكمال ﴿ورسوله﴾ المؤتمر بما أمره به من الانسلاخ عنها المبلغ للعباد جميع ما أرسله به من أمر الدنيا والدين لا يدع منه شيئاً، لما له عليكن وعلى سائر الناس من الحق بما يبلغهم عن الله ﴿والدار الآخرة﴾ التي هي الحيوان بما لها من البقاء، والعلو والارتقاء.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٩٧


الصفحة التالية
Icon