ولما كان ثبوت النبوة بين وبين أحد من الرجال خارماً لإحاطة العلم، وجب تنزيهه سبحانه عن ذلك فقال :﴿وسبحوه﴾ أي عن أن يكون شيء على خلاف ما أخبر به، وعن كل صفة نقص بعد ما أثبتم به كل صفة للكمال ﴿بكرة وأصيلاً*﴾ أي في أول النهار وآخره أي دائماً لأن هذين الوقتين إما للشغل الشاغل ابتداء أو انتهاء أو للراحة، فوجوب الذكر فيهما وجوب له من غيرهما من باب الأولى، قال ابن عباس رضي الله عنهما : لم يفرض الله على عباده فريضة إلا جعل لها حداً معلوماً، تم عذر أهلها في حال العذر غير الذكر فإنه تعالى لم يجعل له أحداً لها حداً ينتهي إليه، ولم يعذر أحداً في تركه إلا مغلوباً على عقله.
وهما أيضاً مشهودان بالملائكة ودالان على الساعة : الثاني قربها بزوال الدنيا كلها، والأول على البعث بعد الموت، وبجوز أن يكون ذلك إشارة إلى صلاتي الصبح والعصر، لأن المواظبة عليهما - لما أشير إليه من صعوبتهما بما يعتري
١١٤
في وقتيهما من الشغل بالراحة وغيرها - دالة على غاية المحبة للمثول بالحضرات الربانية حاملة على المواظبة على غيرهما من الصلوات وجميع الطاعات بطريق الأولى، ويؤكد هذا الثاني تعبيره بلفظ الصلاة في تعليل ذلك بدوتم ذكره لنا سبحانه بقوله :﴿هو الذي يصلي عليكم﴾ أي بصفة الرحمانية متحنناً، لأن المصلي منا يتعطف في الأركان ﴿وملائكته﴾ أي كلهم بالاستغفار لكم وحفظكم من كثير من المعاصي والآفات ويتردد بعضهم بينه سبحانه وبين الأنبياء بما ينزل إليهم من الذكر الحافظ من كل سوء فقد اشتركت الصلاتان في إظهار شرف المخاطبين.