ولما كان المقام مرشداً إلى إنارته، وكان من السرج ما لا يضيء، وكان للتصريح والتأكيد شأن عظيم قال :﴿منبراً*﴾ أي ينير من أتبعه ليسير في أعظم ضياء، ومن تخلف عنه كان في أشد ظلام، فعرف من التقييد بالنور أنه محط الشبه، وعبر به دون الشمس لأنه يقتبس منه ولا ينقص مع أنه من أسماء الشمس.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١١١
ولما تقدمت هذه الأوصاف الحسنى، وكان تطبيق ثمراتها عليها في الذروة، من العلو، وكان الشاهد هو البينة، فكان كأنه قيل : فأقم الأدلة النيرة، وادع وأنذر كل من
١١٦
خالف أمرك، وكان المقام لخطاب المقبلين، طوى هذا المقدر لأنه للمعرضين، ودل عليه بقوله عاطفاً عليه :﴿وبشر المؤمنين﴾ أي الذين صح لهم هذا الوصف.
فإنك مبشر ﴿بأن لهم﴾ وبين عظمة هذه البشرى بقوله :﴿من الله﴾ أي الذي له جميع صفات الحسنة إلى ما لا يعلمه إلا الله.
ولما أمره سبحانه يسر نهاه عما يضر، فقال ذاكراً ثمرة النذارة :﴿ولا تطع الكافرين﴾ أي المشاققين ﴿والمنافقين﴾ أي لا تترك إبلاغ شيء مما أنزلته إليك من الإنزال، وغيره كراهة شيء من مقالهم أو فعالهم في أمر زينب أو غيرها، فإنك نذير لهم، وزاد على ما في أول السورة محط الفائدة في قوله مصرحاً بما اقتضاه ما قبله :﴿ودع﴾ أي اترك على حالة حسنة بك وأمر جميل لك ﴿أذاهم﴾ فلا تراقبه في شيء، ولا تحسب له حساباً أصلاً، واصبر عليه فإنه غير ضائرك لأن الله دافع عنك لأنك داع بإذنه.