سورة سبإ
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٤٣
مقصودها أن الدار الآخرة - التي أشار إليها آخر تلك بالعذاب والمغفرة بعد أن أعلم أن الناس يسألون عنها - كائنة لا ريب فيها، لما في ذلك من الحكمة، وله عليه من القدرة، وفي تركها من عدم الحكمة والتصوير بصورة الظلم، ولقصة سبأ التي سميت بها السورة مناسبة كبيرة لهذا المقصد كما ياتي بيانه لذلك سميت بها ﴿بسم الله﴾ الذي من شمول قدرته إقامة الحساب ﴿الرحمن﴾ الذي من عموم رحمته ترتيب الثواب والعقاب ﴿الرحيم*﴾ الذي يمن على أهل كرامته بطاعته حتى لا عقاب يلحقهم ولا عتاب.
لما ختمت سورة الأحزاب بأنه سبحانه عرض أداء الأمانة وحملها - وهي جميع ما في الوجود من المنافع - على السماوات والأرض والجبال، فأشفقن منها وحملها الإنسان الذي هو الإنس والجان، وأن نتجية العرض والأداء والحمل العذاب والثواب، فعلم أن الكل ملكه وفي ملكه، خائفون من عظمته مشفقون من قهر سطوته وقاهر جبروته، وأنه المالك التام المُلك والمِلك المطاع المتصرف في كل شيء من غير دفاع، وختم ذلك بصفتي المغفرة والرحمة، دل على ذلك كله بأن ابتدأ هذه قوله :﴿الحمد﴾ أي الإحاطة بأوصاف الكمال من الخلق والأمر كله مطلقاً في الأولى الأخرى وغيرهما مما يمكن أن يكون ويحيط به عمله سبحانه ﴿لله﴾ ذي الجلال والجمال.
ولما كان هذا هو المراد، وصفه بما يفيد ذلك، فقال منبهاً على نعمة الإبداء والإبقاء أولاً :﴿الذي له﴾ أي وحده مِلكاً ومُلكاً وإن نسبتم إلى غيره ملكاً وملكاً ظاهرياً
١٤٤
﴿ما في السموات﴾ أي بأسرها ﴿وما في الأرض﴾ أي كما ترون أنه لا متصرف في شيء من ذلك كمال التصرف غيره، وقد علم في غير موضع وتقرر في كل فطرة أنه ذو العرش العظيم، فأنتج ذلك أن له ما يحويه عرضه من السماوات والأراضي وما فيها، لأن من المعلوم أن العرش محيط بالكل، فالكل فيه، وكل سماء في التي فوقها، وكذا الأراضي، وقد تقرر أن له ما في الكل، فأنتج ذلك أن له الكل بهذا البرهان الصحيح، وهو أبلغ مما لو عبر عن ذلك على وجه التصريح، وإذ قد كان له ذلك كله فلا نعمة على شيء إلا منه، فكل شيء يحمده لما له عليه من نعمه بلسان قال، فإن لم يكن فبلسان حاله.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٤٤


الصفحة التالية
Icon