وأما القول فإنه سبحانه لما علم أن لسان الحال إنما يرمز رمزاً خفياً لا يفهمه إلا الأفراد وإن كان بعد التحقيق جلياً، أنزل عليما كتاباً مفصحاً بالمراد أثنى فيه على نفسه، وبين صفات كماله بالبيان الذي يعجز عنه القوى، ثم جعل الإعجاز دلالة قطعية على كماله، وعلى كل ما له من جلاله وجماله، وقد علم من هذه التعاريف أن بين الحمد والشكر اللغويين عموماً وخصوصاً من وجه، لأن الحمد قد يترتب على الفضائل وهي الصفات الجميلة التي لا يتجاوز منها أثر ومنفعة إلى غير الممدوح كالشجاعة، والشكر يختص بالفواضل وهي النعم وهي الصفات والمزايا المتعدية التي يحصل منها منفعة لغير الممدوح كالإحسان والمواهب والعطايا كما مضى، وبين الحمد والشكر العرفيين عموماً وخصوصاً مطلقاً، فالحمد أعم مطلقاً لعموم النعم الواصلة إلى الحامد وغيره، واختصاص الشكر بما يصل إلى الشاكر، وذلك لأن المنعم المذكور في التعريف مطلق لم يقيد بكونه منعماً على الحامد أو على غيره، فمتناولهما بخلاف الشكر وقد اعتبر فيه منعم مخصوص وهو الله تعالى، ونعم واصلة منه إلى الشاكر، ولعموم هذا الحمد مطلقاً وخصوص هذا الشكر مطلقاً وجه ثان، وهو أن فعل القلب واللسان مثلاً قد يكون حمداً وليس شكراً أصلاً، إذ قد اعتبر فيه شمول الآلات، ووجه ثالث وهو أن الشكر بهاذ المعنى لا يتعلق بغيره تعالى بخلاف الحمد، وما يقال من أن النسبة بالعموم المطلق، بين العرفيين إنما تصح بحسب الوجود دون الحمل الذي كلامنا فيه، لأن الحمد بصرف القلب مثلاً فيما خلق لأجله جزء من صرف الجميع غير محمول عن الموضوع في الوجود الخارجي، فغلظ من باب اشتباه الشيء بما صدق هو عليه، فإن ما ليس محمولاً على ذلك الصرف هو ما صدق عليه الحمد، أعني صرف القلب وحده لا مفهومه المذكور، وهو فعل يشعر بتعظيم المنعم بسبب كونه منعماً، وهذا المفهوم يحمل على صرف الجميع، وما يقال إن صرف الجميع أفعال متعددة، فلا يصدق عليه أنه فعل