ولما تقدم من الأدلة ما لا يرتاب معه، أمره أن يجيبهم برد كلامهم مؤكداً بالقسم على أنه لم يخله من دليل ظاهر فقال :﴿قال بلى وربي﴾ أي المحسن إليّ بما عمني به معكم من النعم، وبما خصني به من تنبئتي وإرسالي إليكم - إلى غير ذلك من أمور لا يحصيها إلا هو سبحانه، فهو أكرم من أن يدعكم من غير أن يحشركم لينتقم لي منكم، ويقر عيني بما يجازيكم به من أذاكم لي ولمن اتبعني، فإنه لا يكون سيد قط يرضى أن يبغي بعض عصاه عبيده على بعض، ويدعهم سدى من غير تأديب، فكيف إذا كان المبغي عليه مطيعاً له، والباغي عاصياً عليه، هذا ما لا يرضاه عاقل فكيف بحاكم فكيف بأحكام الحاكمين ؟ ﴿لتأتينكم﴾ أي الساعة لتظهر فيها ظهرواً تاماً الحكمة بالعدل والفضل، وغير ذلك من عجائب الحكم والفصل.
ولما كان الحاكم لا يهمل رعيته إلا إذا غابوا من علمه، ولا يهمل شيئاً من أحوالهم إلا إذا غاب منه ذلك الشيء، وكانت الساعة من عالم الغيب، وكان ما تقدم من إثبات العلم ربما خصه متعنت بعالم الشهادة، وصف ذاته الأقدس سبحانه بما بين أنه لا فرق عنده عنده بين الغيب الذي الساعة منه والشهادة، بل الكل عنده شهادة، وللعناية بهذا المعنى يقدم الغيب إذا جمعا في الذكر، فقال مبيناً عظمة المقسم به ليفيد حقية المقسم عليه لأن القسم بمنزلة الاستشهاد على الأمر، وكلما كان المشتسهد به أعلى كعباً وأبين فضلاً وأرفع منزلة كان في الشهادة أقوى وأكد، والمستهشد عليه أثبت وأرسخ، وأصفاً له على قراءة الجماعة ومستانفاً، - وهو أبلغ - على قراءة المدنيين وابن عامر ورويس عن يعقوب بالرفع :﴿عالم الغيب﴾ وقراءة حمزة والكسائي " علام " بصيغة المبالغة كما هو أليق بالموضع.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٥١
ولما كنا القصور علمنا متقيدين بما في هذا الكون مع أن الكلام فيه، قال مصرحاً بالمقصود على أتم وجه :﴿لا يعزب﴾ - أي يغيب ويبعد عزوباً قوياً - على قراءة
١٥٢


الصفحة التالية
Icon