ولما كان القصد ذكر ما يدل عندهم على استبعاد البعث، قدموا المعمول فقالوا :﴿إذا﴾ أي إنكم إذا ﴿مزقتم﴾ أي قطعتم وفرقتم بعد موتكم من كل من شأنه أن يمزق من التراب والرياح وطول الزمان ونحو ذلك تمزيقاً عظيناً، بحيث صرتم تراباً، وذلك معنى ﴿كل ممزق﴾ أي كل تمزيق، فلم يبق شيء من أجسادكم مع شيء، بل صار الكل بحيث لا يميز بين ترابه وتراب الأرض، وذهبت به السيول كل مذهب، فصار مع اختلاطه بتراب الأرض والتباسه متباعداً بعضه عن بعض، وكسر معمول " ينبئكم " لأجل اللام فقال :﴿إنكم لفي﴾ أي لتقومون كما كنتم قبل الموت قياماً لا شك فيه، والإخبار يه مستحق لغاية التأكيد ﴿خلق جديد*﴾ وهذا عامل إذا الظرفية.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٥٤
ولما نفروا عنه بهذا الإخبار المحير في الحامل له عليه، خيلوا بتقسيم القول فيه في استفهام مردد بين الاستعجام تعجيباً والإنكار، فقالوا جواباً لمن سأل عن سبب إخباره بإسقاط همزة الوصل، لعدم الإلباس هنا بخلاف ما يصحب لام التعريف فإنها لفتحها تلبس بالخبر :﴿افترى﴾ أي تعمد ﴿على الله﴾ أي الذي لا أعظم منه ﴿كذباً﴾ بالإخبار بخلاف الواقع وهو عاقل يصح منه القصد.
ولما كان يلزم من التعمد العقل، قالوا :﴿أم به جنة﴾ أي جنون، فهو يقول الكذب، وهو ما لا حقيقة له من غير تعمد، لأنه ليس من أهل القصد، فالآية من الاحتباك : ذكر الافتراء أولاً يدل على ضده ثانياً، وذكر الجنون ثانياً يدل على ذكر ضده أولاً.
١٥٥
ولما كان الجواب : ليس به شيء من ذلك، عطف عليه مخبراً عن بعض الذين كفروا بما يوجب ردع البعض الآخر قوله :﴿بل الذين لا يؤمنون﴾ أي لا يجددون الإيمان لأنهم طبعوا على الكفر ﴿بالآخرة﴾ أي الفطرة الآخرة التي أدل شيء عليها الفطرة الأولى.


الصفحة التالية
Icon