ولما أشار سبحانه بهذا الكلام الذي دل فيه على نفوذ الأمر إلى أنه تارة يعدل وتارة يفضل، وكان الفضل أكثر استجلاباً لذوي الهمم العلية والأنفس الأبية، بدأ به في عبد من رؤوس المنيبين على وجه دال على البعث بكمال التصرف في الخافقين وما فيهما بأمور شوهدت لبعض عبيدة تارة بالآذان، أما عند أهل الكتاب فواضح، وأما عند العرب فبتمكينهم من سؤالهم فقد كانوا يسألونهم عنه ﷺ وقال أبو حيان : إن بعض ذلك طفحت به أخبارهم ونطقت به أشعارهم، فقال تعالى مقسماً تنبيهاً على أن إنكارهم للبعث إنكار لما يخبر به من المعجزات، عاطفاً على ما تقديره : فلقد آتينا هذا الرجل الذي نسبتموه إلى الكذب أو الجنون منا فضلاً بهذه الأخبار المدلول عليها بمعجز القرآن فيا بعد ما بينه ما نسبتموه إليه :﴿ولقد﴾ أي وعزتنا وما ثبت لنا من الإحاطة بصفات الكمال بالاتصاف بالحمد لقد ﴿آتينا﴾ أي أعطينا إعطاء عظيماً دالاً على نهاية المكنة بما لنا من العظمة ﴿داود﴾.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٥٤
ولما كان المؤتى قد تكون واسطة لمن منه الإيتاء، بين أن الأمر ليس إلا منه فقال :﴿منا فضلاً﴾ ودل على أن التنوين للتعظيم وأنه لا يتوقف تكوين شيء على غير
١٥٧
إرادته بقوله، منزلاً الجبال منزلة العقلاء الذين يبادرون إلى امتثال أوامره، تنبيهاً على كمال قدرته وبديع تصرفه في الأشياء كلها جواباً لمن كأنه قال : ما ذلك الفضل ؟ مبدلاً من ﴿أتينا﴾ ﴿يا﴾ أي قلنا لأشد الأرض : يا ﴿جبال أوبي﴾ أي رجعي التسبيح وقراءة الزبور وغيرهما من ذكر الله ﴿معه﴾ أي كلما سبح، فهذه آية أرضية مما هو أشد الأرض بما هو وظيفة العقلاء، ولذلك عبر فيه بالأمر دلالة على عظيم القدرة.


الصفحة التالية
Icon