وأشار الى كرم تلك الجنان وسعة ما بها من الخير بقوله :﴿كلوا﴾ أي لا تحتاج بلادهم إلى غير أن يقال لهم : كلوا ﴿من رزق ربكم﴾ أي المحسن إليكم الذي أخرج لكم منها كل ما تشتهون ﴿واشكروا له﴾ أي خصوه بالشكر بالعمل بما أنعم به في ما يرضيه ليديم لكم النعمة، ثم استأنف تعظيم ذلك بقوله :﴿بلدة طيبة﴾ أي كريمة التربة حسة الهواء سليمة من الهوام والمضمارلا يحتاج ساكنها إلى ما يتبعه فيعوقه عن الشكر، قال ابن زيد : لا يوجد فيها برغوث ولا بعوض ولا عقرب ولا حية، ولا تقمل ثيابهم، ولا تعيا دوابهم.
وأشار إلى أنه لا يقدر أحد على أن يقدره حق قدره بقوله :﴿ورب غفور*﴾ أي لذنب من شكره وتقصيره بمحو عين ما قصر فيه وأثره فلا يعاقب عليه ولا يعاتب، ولولا ذلك ما أنعم عليكم بما أنتم فيه ولأهلككم بذنوبكم، وأخبرني بعض أهل اليمن أنها اليوم مفازة قرب صنعاء اليمن - قال : في بعضها عنب يعمل منه زبيب كبار جداً في مقدار در - تلي بلاد الشام، وهو في غاية الصفاء كأنه قطع المصطكا وليس له نوى أصلاً.
ولما تسبب عن هذا الإنعام بطرهم الموجب لإعراضهم عن الشكر، دل على ذلك بقوله :﴿فأعرضوا﴾ ولما تسبب عن إعراضهم مقتهم، بينه بقوله :﴿فأرسلنا﴾ ودل على أنه إرسال عذاب بعد مظهر العظمة بأداة الاستعلاء فقال :﴿عليهم سيل العوم﴾ أي سيح المطر الغالب المؤذي الشديد الكثير الحاد الفعل المتناهي في الأذى الذي لا يرده شيء ولا تمنعه حيلة بسد ولا غيره من العرامة، وهي الشدة والقوة، فأفسد عليهم جميع
١٦٨
ما ينتفعون به، قال أبو حيان : سلط الله عليهم الجرذ فأراً أعمى توالد فيه، ويسمى الخلد، فخرفه شيئاً بعد شيء، فأرسل الله سيلاً في ذلك الوادي، فحمل ذلك السد فروي أنه كان من العظم وكثرة الماء بحيث ملأ ما بين الجبلين، وحمل الجنان وكثيراً من الناس ممن لم يمكنه الفرار.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٦٤


الصفحة التالية
Icon